للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المهاجرين لهم بمكة قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذا فأتني ذلك أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، فقال عمر - رضي الله عنه -: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه شهد بدرًا، وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وأنزل الله عزَّ وجلَّ أول سورة الممتحنة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} ا (لممتحنة: ١)، وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها، وهي متواترة عندهم، معروفة عند علماء التفسير، وعلماء الحديث، وعلماء المغازي والسير والتواريخ، وعلماء الفقه، وغير هؤلاء، وكان علي - رضي الله عنه - يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة، وروى عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى.

فإن عثمانَ، وعليًا، وطلحة، والزبير أفضل باتفاق المسلمين من حاطب بن أبي بلتعة، وكان حاطب مسيئًا إلى مماليكه، وكان ذنبه في مكاتبة المشركين وإعانتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أعظم من الذنوب التي تضاف إلى هؤلاء، ومع هذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتله وكذب من قال أنه يدخل النار؛ لأنه شهد بدرًا والحديبية، وأخبر بمغفرة الله لأهل بدر، ومع هذا فقد قال عمر - رضي الله عنه -: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فسماه منافقًا واستحل قتله، ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ولا في كونه من أهل الجنة.

٢ - وكذلك في الصحيحين وغيرهما في حديث الإفك لما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا على المنبر يعتذر من رأس المنافقين عبد الله بن أُبي، فقال: من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي؛ والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، فقام سعد بن معاذ سيد الأوس- وهو الذي اهتز لموته عرش الرحمن، وهو الذي كان لا تأخذه في الله لومة لائم بل حكم في حلفائه من بني قريظة بأن يقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم؛ حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة- فقال: يا رسول الله، نحن نعذرك منه، إن كان من إخواننا من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة فقال: كذبت؛ لعمر الله لا تقتله ولا تقدر

<<  <  ج: ص:  >  >>