للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنادى لا تقتلوا جريحًا ولا تقتلوا مدبرًا، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن (١).

وعن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: دخلت على مروان بن الحكم، فقال: ما رأيت أحدًا أكرم من أبيك، ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبرٌ ولا يذفف على جريح. (٢)

وكان علي -رضي اللَّه عنه- يطوف على القتلى وهم يدفنون، ثم سار حتى دخل البصرة فمر على طلحة، ورآه مقتولًا، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: عزيز عليّ أبا محمد أن أراك مجندلًا تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى اللَّه أشكو عجري وبجري -أي همومي وأحزاني- وبكى عليه وعلى أصحابه. (٣)

بعدها ذهب إلى بيت عبد اللَّه بن بديل الخزاعي لزيارة عائشة والاطمئنان عليها فقال لها: غفر اللَّه لكِ، قالت: ولك ما أردت إلا الإصلاح بين الناس. (٤)، ونقل الزهري (٥) قولها: إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال، ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدًا. وهذا هو الصحيح بخلاف من قال بأن عائشة نزلت في بيت عبد اللَّه بن خلف الخزاعي.

ثم قام علي بتجهيز عائشة وإرسالها إلى مكة معززة مكرمة، وهذا الفعل من علي -رضي اللَّه عنه- يعد امتثالًا لما أوصاه به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (٦)، في حديث أبي رافع رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لعلي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-: إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر، قال: فأنا أشقاهم يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها.

وكان خروج عائشة -رضي اللَّه عنها- يوم الجمل يعتبر زلة عن قصد حسن وهو الإصلاح، وقد


(١) البيهقي في السنن الكبرى (٨/ ١٨٢)، وابن أبي شيبة (١٥/ ٢٥٧) و (١٥/ ٢٨٦) بإسناد صحيح.
(٢) وأخرجه الشافعي في الأم (٤/ ٣٠٨)، وأورده الحافظ في الفتح (١٣/ ٦٢).
(٣) تاريخ دمشق (٢٥/ ١١٥)، وأسد الغابة لابن الأثير (٣/ ٨٨ - ٨٩).
(٤) شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (١/ ٢٠٦).
(٥) في المغازي (١٥٤).
(٦) أخرجه الإمام أحمد في المسند (٦/ ٣٩٣) بسند حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>