للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-صلى اللَّه عليه وسلم- ولملازمتها بيتها، فعبر الراوي عن ذلك بالهجران. (١)

وهناك أمر مهم -يفضل تذكره- وهو أنّ أبا بكر -رضي اللَّه عنه- كان في خلافته يحمل على كتفه الحسن -رضي اللَّه عنه-، وهو يضحك ويقول: بأبي شبيه النبيّ وليس شبيها بعليّ، وكان عليّ يراهما ويضحك سرورًا.

كما رواه أحمد عن عمر بن سعيد عن ابن أبي مليكة أخبرني عقبة بن الحرث قال: (خرجت مع أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- من صلاة العصر بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بليال وعلي -رضي اللَّه عنه- يمشي إلى جنبه فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته وهو يقول:

وابأبي شبه النبي ... ليس شبيهًا بعلي

قال: وعلي يضحك. (٢)، ولا يعقل أن يستطيب علي هذا من أبي بكر وفاطمة بنت الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- غاضبة من أبي بكر وساخطة عليه.

والأولى أن يفهم من الحديث ثبات أبي بكر على طاعة رسول اللَّه، وقد كان ذلك من أثقل الفتن عليه. فإن فاطمة كانت أحب إليه من ولده. ولكن طاعة أبيها أولى.

ولقد كان علي يعلم بهذا الحديث الذي احتج أبو بكر به. ففي صحيح مسلم أن عمر قال لعلي والعباس: اتئدا. أنشدكم باللَّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا نورث. ما تركنا صدقة" قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعليّ فقال: أنشدكما باللَّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمان أن رسول اللَّه قال: "لا نورث. ما تركناه صدقة" قالا: نعم) اهـ. (٣)

وقد قال بعض الأئمة: إنما كانت هجرتها انقباضًا عن لقائه والاجتماع به، وليس ذلك من الهجران المحرم لأن شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة -رضي اللَّه عنها- لما خرجت غضبى من أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها، وأما سبب غضبها مع احتجاج


(١) المفهم على مسلم (١٢/ ٧٣).
(٢) مسند أحمد (١/ ٨)، وهو صحيح على شرط البخاري.
(٣) مسلم (١٧٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>