للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو بكر الصديق، فاستأذن عليها، فقال علي: يا فاطمة، هذا أبو بكر الصديق يستأذن عليك؟ فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها يترضاها، فقال: واللَّه ما تركت الدار والمال، والأهل والعشيرة، إلا ابتغاء مرضاة اللَّه، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت. (١)

قال ابن كثير -رحمه اللَّه-: وهذا إسناد جيد قوي والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي. (٢)

قال الحافظ ابن حجر: إسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة على هجر أبي بكر. (٣)

فائدة حديثية: اتفق المحدثون على أن مراسيل الزهري واهية شبه الريح (٤)، وباتفاقهم أن مراسيل الشعبي أقوى من ذلك، فمن أراد أن يحتج بمرسل الزهري لزمه الاحتجاج بمرسل الشعبي من باب الأولى، مع أن مرسل الزهري لم يثبت أصلًا.

وحديث عائشة في البخاري (أن فاطمة ماتت وهي غاضبة عليه) لا ينافي هذا الحديث فإن عائشة -رضي اللَّه عنها- حدثت بما علمت وبحسب علمها ومعرفتها وفي رواية الشعبي زيادة علم وثبوت زيارة أبي بكر لها وكلامها له ورضاها عنه.

وهنا قاعدة مهمة عند أهل الأصول: وهي أن عائشة نفت، والشعبي أثبت، والقول المثبت مقدم على القول المنفي؛ لأن احتمال الثبوت حصل بغير علم النافي، وكذلك كيف يغيب عن فاطمة قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".

ولذلك قال القرطبي: ثم إنها أي فاطمة لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول اللَّه


(١) السنن الكبرى للبيهقي (٦/ ٣٠١).
(٢) البداية والنهاية (٥/ ٢٥٣).
(٣) فتح الباري (٦/ ٢٠٢).
(٤) تدريب الراوي (١/ ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>