للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا. وقال البخاري في صحيحه حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولابنه انطلقا إلى أبي سعيد واسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجعل ينفض التراب عنه ويقول: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"، قال: يقول عمار: أعوذ باللَّه من الفتن.

والحديث ثابت صحيح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند أهل العلم بالحديث والذين قتلوه هم الذين باشروا قتله. والحديث أطلق فيه لفظ البغي لم يقيده بمفعول كما قال تعالى: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}، وكما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذين هم فيكم تبع لا يبغون أهلًا ولا مالًا".

ولفظ البغي إذا أطلق فهو الظلم كما قال تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}، وقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}.

وأيضًا فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر هذا لما كانوا ينقلون اللبن لبناء المسجد وكانوا ينقلون لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"، وهذا ليس فيه ذم لعمار، بل مدح له ولو كان القاتلون له مصيبين في قتله لم يكن مدحًا له، وليس في كونهم يطلبون دم عثمان ما يوجب مدحه.

وكذلك من تأول قاتله بأنهم الطائفة التي قاتل معها؛ فتأويله ظاهر الفساد ويلزمهم ما ألزمهم إياه علي وهو أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه قد قتلوا كل من قتل معهم في الغزو كحمزة وغيره، وقد يقال فلان قتل فلانًا إذا أمره بأمر كان فيه حتفه، ولكن هذا مع القرينة لا يقال عند الإطلاق، بل القاتل عند الإطلاق الذي قتله دون الذي أمره.

ثم هذا يقال لمن أمر غيره، وعمار لم يأمره أحد بقتال أصحاب معاوية، بل هو كان من أحرص الناس على قتالهم وأشدهم رغبة في ذلك وكان حرصه على ذلك أعظم من حرص غيره، وكان هو يحض عليًا وغيره على قتالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>