للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل هي (أي قوله كلمة منه) اسم لعيسى سماه الله بها كما سمى سائر خلقه بما شاء من الأسماء". ويروي بإسناده عن قتادة أنه قال: "قوله {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} قال: قوله {كُنْ} فسماه الله - عز وجل - كلمته؛ لأنه كان عن كلمته". وقال أبو عبيد: "كلمته: كن فكان". وكلمة الله التي قيلت لعيسى في القرآن وسمي بها، هي مضافة إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قسم ابن تيمية رحمه الله المضاف إلى الله تعالى إلى قسمين:

إضافة صفات، وإضافة أعيان: "فالصفات إذا أضيفت إليه تعالى، كالعلم والقدرة والكلام والحياة والرضا والغضب ونحو ذلك؛ دلت الإضافة على أنها إضافة وصف له قائم به، ليست مخلوقة؛ لأن الصفة لا تقوم بنفسها، ولابد لها من موصوف تقوم به، فإذا أضيفت إليه، علم أنها صفة له، لكن قد يعبر باسم الصفة عن المفعول بها، فيسمى المقدور قدرة، والمخلوق بالكلمة كلامًا، والمعلوم علمًا، والمرحوم به رحمة". فعيسى - عليه السلام - ليس هو عين الكلمة، وإنما قيل له كلمة الله؟ لأنه خلق بالكلمة ولم يكن له أب تولد منه وإنما هو ناشئ ومخلوق عن الكلمة: كن.

فالأعيان التي خلقها الله قائمة بأنفسها، وصفاتها القائمة بها تمتنع أن تكون صفات لله، فإضافتها إليه تتضمن كونها مخلوقة مملوكة، لكن أضيفت لنوع من الاختصاص المقتضي للإضافة، لا لكونها صفة، والروح الذي هو جبريل من هذا الباب، كما أن الكعبة والناقة من هذا الباب، ومال الله من هذا الباب، وروح بنى آدم من هذا، وذلك كقوله {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}، وقوله {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}، وقوله {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} وقوله {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}. (١)

خامسًا: أن الإضافة من حيث اللغة "نسبة بين اسمين". ويشترط فيها أن" لا يضاف الاسم إلى مرادفه فلا يقال: حيث أسدٍ". بينما يزعم النصارى أن: عيسى هو الكلمة، وأن الكلمة هي الله؛ مما يعني تبعا لذلك: أن اسم عيسى ولفظ الجلالة (الله)


(١) مجموع الفتاوى (١٧/ ١٥١) والجواب الصحيح (٢/ ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>