عيسى -عليه السلام-، وبتثليث الأقانيم -على كل ما بين المذاهب والفِرق من خلاف يلتقي كله على التثليث- على مدار التاريخ حتى الآن.
وإذن فهو أمر عام يقرر قاعدة مطلقة في التعامل مع أهل الكتاب، الذين تنطبق عليهم هذه الصفات التي كانت قائمة في نصارى العرب ونصارى الروم، ولا يمنع من هذا العموم أن الأوامر النبوية استثنت أفرادًا وطوائف بأعيانها لتترك بلا قتال كالأطفال، والنساء، والشيوخ، والعجزة، والرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الأديرة بوصفهم غير محاربين -فقد منع الإسلام أن يقاتل غير المحاربين من أية ملة-، وهؤلاء لم تستثنهم الأوامر النبوية لأنهم لم يقع منهم اعتداء بالفعل على المسلمين، ولكن لأنه ليس من شأنهم أصلًا أن يقع منهم الاعتداء، فلا محل لتقييد هذا الأمر العام بأن المقصود به هم الذين وقع منهم اعتداء فعلًا -كما يقول المهزومون الذين يحاولون أن يدفعوا عن الإسلام الاتهام- فالاعتداء قائم ابتداءً؛ الاعتداء على ألوهية اللَّه، والاعتداء على العباد بتعبيدهم لغير اللَّه، والإسلام حين ينطلق للدفاع عن ألوهية اللَّه سبحانه، والدفاع عن كرامة الإنسان في الأرض، لا بد أن تواجهه الجاهلية بالمقاومة، والحرب، والعداء، ولا مفر من مواجهة طبائع الأشياء.
إن هذه الآية تأمر المسلمين بقتال أهل الكتاب {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} والذي يقول ببنوة عزير للَّه، أو بنوة المسيح للَّه لا يمكن أن يقال عنه: إنه يؤمن باللَّه، وكذلك الذي يقول: إن اللَّه هو المسيح ابن مريم، أو أن اللَّه ثالث ثلاثة، أو أن اللَّه تجسد في المسيح. . . إلى آخر التصورات الكنسية التي صاغتها المجامع المقدسة على كل ما بينها من خلاف.
والذين يقولون: إنهم لن يدخلوا النار إلا أيامًا معدودات مهما ارتكبوا من آثام بسبب أنهم أبناء اللَّه وأحباؤه وشعب اللَّه المختار، والذين يقولون: إن كل معصية تغفر بالاتحاد بالمسيح، وتناول العشاء المقدس، وأنه لا مغفرة إلا عن هذا الطريق، هؤلاء وهؤلاء لا يقال: إنهم يؤمنون باليوم الآخر.