قال ابن قدامة: وإن بذلت المرأة الجزية أخبرت أنها لا جزية عليها فإن قالت: فأنا أتبرع بها، أو أنا أؤديها قبلت منها، ولم تكن جزية بل هبة تلزم بالقبض فإن شرطته على نفسها ثم رجعت كان لها ذلك، وإن بذلت الجزية لتصير إلى دار الإسلام مكنت من ذلك بغير شيء ولكن يشترط عليها التزام أحكام الإسلام، وتعقد لها الذمة، ولا يؤخذ منها شيء إلا أن تتبرع به بعد معرفتها أنه لا شيء عليها، وإن أخذ منها شيء على غير ذلك رد إليها؛ لأنها بذلته معتقدة أنه عليها، وأن دمها لا يحقن إلا به فأشبه من أدى مالا إلى من يعتقد أنه له، فتبين أنه ليس له، ولو حاصر المسلمون حصنًا ليس فيه إلا نساء فبذلن الجزية لتعقد لهن الذمة عقدت لهن بغير شيء، وحرم استرقاقهن كالتي قبلها سواء، فإن كان في الحصن معهن رجال فسألوا الصلح لتكون الجزية على النساء، والصبيان دون الرجال لم تصح؛ لأنهم جعلوها على غير من هي عليه وبرؤوا من تجب عليه، وإن بذلوا جزية عن الرجال، ويؤدوا عن النساء، والصبيان من أموالهم جاز، وكان ذلك زيادة في جزيتهم، وإن كان من أموال النساء، والصبيان لم يجز؛ لأنهم يجعلون الجزية على من لا تلزمه فإن كان القدر الذي بذلوه من أموالهم مما يجزئ في الجزية أخذ منهم، وسقط الباقي (١).
وهذا مع ما قبله مما يبين أن الجزية وسيلة من وسائل الدعوة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولذلك فرضت على المقاتلة فقط.
وهنا ما هو أبلغ وأكثر، وهو أن الرجل من أهل الذمة لو كان فقيرًا عاجزًا عن الكسب أعطاه المسلمون من بيت المال.
عن جسر أبي جعفر قال: شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة، قرئ علينا بالبصرة: أما بعد، فإن اللَّه سبحانه إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام، واختار الكفر عتيًا، وخسرانًا مبينًا، فضع الجزية على من أطاق حملها، وخل بينهم، وبين عمارة الأرض، فإن في ذلك صلاحًا لمعاش المسلمين، وقوة على عدوهم، وانظر من قبلك