أن من أمره بالكف عنهم والوفاء لهم، وإن غدر بعضهم، أكثر ممن أشار بالمحاربة، فكان مما كتب إليه الليث بن سعد: إن أهل قبرص لم نزل نتهمهم بالغش لأهل الإسلام والمناصحة لأهل الروم، وقد قال اللَّه تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}(الأنفال: ٥٨) ولم يقل تبارك وتعالى: لا تنبذ إليهم حتى تستبين خيانتهم وإني أرى أن تنبذ إليهم، ثم ينظروا سنة يأتمرون، فمن أحب منهم اللحاق ببلاد المسلمين، على أن يكون ذمة يؤدي الخراج فعل، ومن أراد أن ينتحي إلى الروم فعل، ومن أراد أن يقيم بقبرص على الحرب أقام، فيقاتلهم المسلمون كما يقاتلون عدوهم؛ فإن في إنظارهم سنة قطعًا لحجتهم ووفاء بعهدهم، وكان فيما كتب إليه سفيان بن عيينة: إنا لا نعلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عاهد قوما فنقضوا العهد إلا استحل قتلهم، غير أهل مكة فإنه من عليهم، وإنما كان نقضهم الذي استحل به غزوهم: أن قاتلت حلفاؤهم من بني بكر حلفاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من خزاعة فنصر أهل مكة بني بكر على حلفائه، فاستحل بذلك غزوهم، ونزلت في الذين نقضوا {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)} (التوبة: ١٣ - ١٤) ونزلت فيهم أيضًا: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧)} (الأنفال: ٥٥ - ٥٧)، وكان فيما أخذ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أهل نجران في صلحه: أن من أكل منهم ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة. والذي انتهى إلينا من العلم: أن من نقض شيئًا مما عوهد عليه، ثم أجمع القوم على نقضه، فلا ذمة لهم. وكان فيما كتب إليه مالك بن أنس: إن أمان أهل قبرص كان قديمًا متظاهرًا من الولاة لهم، يرون أن أمانهم وإقرارهم على حالهم ذل وصغار لهم، وقوة للمسلمين عليهم: لما يأخذون من جزيتهم ويصيبون بهم من