الفرصة على عدوهم، ولم أجد أحدًا من الولاة نقض صلحهم، ولا أخرجهم من مكانهم، وأنا أرى أن لا تعجل بنقض عهدهم ومنابذتهم حتى يعذر إليهم، وتؤخذ الحجة عليهم، فإن اللَّه تبارك وتعالى يقول:{فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} فإن لم يستقيموا بعد ذلك ويتركوا غشهم، ورأيت أن الغدر يأتي من قبلهم أوقعت بهم عند ذلك، وكان بعد الإعذار إليهم، فكان أقوى لك عليهم، وأقرب من النصر لك والخزي لهم إن شاء اللَّه.
وكان فيما كتب إليه موسى بن أعين: إنه قد كان يكون مثل هذا فيما خلا، فينظر فيه الولاة، ولم أر أحدًا ممن مضى نقض عهد أهل قبرص، ولا غيرها، ولعل جماعتهم لم تمالئ على ما كان من خاصتهم، وإني أرى الوفاء لهم وإتمام تلك الشروط، وإن كان منهم الذي كان. قال موسى: وقد سمعت الأوزاعي يقول في قوم صالحوا المسلمين ثم أخبروا المشركين بعورتهم ودلوهم عليها - قال: إن كان من أهل الذمة فقد نقض عهده، وخرج من ذمته، فإن شاء الوالي قتله وصلبه وإن كان مصالحًا لم يدخل ذمة نبذ إليهم الوالي على سواء:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}. وكان فيما كتب إليه إسماعيل بن عياش: أن أهل قبرص أذلاء مقهورون، تغلبهم الروم على أنفسهم ونسائهم، فقد يحق علينا أن نمنعهم ونحميهم، وقد كتب حبيب بن مسلمة في عهده وأمانه لأهل أرمينية أنه إن عرض للمسلمين شغل عنكم وقهركم فإنكم غير مأخوذين، ولا ناقض ذلك عهدكم، بعد أن تفُوا للمسلمين، وإني أرى أن يقروا على عهدهم وذمتهم، فإن الوليد بن يزيد قد كان أجلاهم إلى الشام، فاستفظع ذلك واستعظمه فقهاء المسلمين، فلما ولي يزيد بن الوليد ردهم إلى قبرس، فاستحسن المسلمون ذلك ورأوه عدلًا.
وكان فيما كتب إليه يحيى بن حمزة: إن أمر قبرص كأمر عربسوس، فإن فيها قدوة حسنة وسنة متبعة، فإن صارت قبرص لعدو المسلمين إلى ما صارت إليه عربسوس، فإن تركها على حالها والصبر على ما كان فيها، لما في ذلك للمسلمين من جزيتها وما يحتاجون إليه مما فيها أفضل، وإنما كان أمانها وتركها لذلك وليس من أهل عهد بمثل منزلتهم فيما