لقد كانت الجزية من شرائع التوراة والمسيح -عليه السلام- لم يذكر كلمة واحدة لإلغائها أو استنكارها. وقد نقل العهد الجديد شيوع هذه الصورة حين قال المسيح لسمعان: (مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟ " قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: "مِنَ الأَجَانِبِ". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "فَإِذًا الْبَنُونَ أَحْرَارٌ). (متى ١٧/ ٢٤ - ٢٥).
والأنبياء عليهم السلام حين غلبوا على بعض الممالك بأمر اللَّه، ونصرته أخذوا الجزية من الأمم المغلوبة، بل واستعبدوا الأمم المغلوبة، كما صنع النبي يشوع مع الكنعانيين حين تغلب عليهم (فَلَمْ يَطْرُدُوا الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ. فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أَفْرَايِمَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، وَكَانُوا عَبِيدًا تَحْتَ الْجِزْيَةِ)(يشوع ١٦/ ١٠)(١)، فجمع لهم بين العبودية والجزية.
والمسيحية لم تنقض شيئًا من شرائع اليهودية، فقد جاء المسيح متممًا للناموس لا ناقضًا له (انظر متى ٥/ ١٧)، بل وأمر المسيح أتباعه بدفع الجزية للرومان، وسارع هو إلى دفعها، فقد قال لسمعان:(اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطلُعُ أَوَّلًا خُذْهَا، وَمَتَى فتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ)(متى ١٧/ ٢٤ - ٢٧).
ولما سأله اليهود (حسب العهد الجديد) عن رأيه في أداء الجزية أقر بحق القياصرة في أخذها (فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلَامِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: "يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللَّهِ بِالْحَقِّ، وَلَا تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لَا تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. ١٧ فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى