عشرات الملايين من البشر الذين أفناهم الغزاة بوحشية لا يستطيع أن يقف أمامها لا مستنكرًا لها شاكًا في إنسانية البشر الذين ارتكبوها.
ولد ((برتولومي دي لاس كازاس)) عام ١٤٧٤ م في قشتالة الأسبانية من أسرة اشتهرت بالتجارة البحرية، وكان والده قد رافق كولومبوس في رحلته الثانية إلى العالم الجديد عام ١٤٩٣ م أي في السنة التالية لسقوط غرناطة، وسقوط الأقنعة عن وجوه الملوك الأسبان، والكنيسة الغربية. كذلك فقد عاد أبوه مع كولومبوس بصحبة عبد هندي فتعرف برتولومي على هذا العبد القادم من بلاد الهند الجديدة. بذلك بدأت قصته مع بلاد الهند، وأهلها، وهو ما يزال صبيًا في قشتاله يشاهد ما يرتكبه الأسبان من فظائع بالمسلمين، وما يريقونه من دمهم، وإنسانيتهم في العالم الجديد. لقد جرى الدميان بالخبر اليقين أمام عيني هذا الراهب الثائر على أخلاق أمته، ورجال كنيستها، وبعثات تبشيرها: دم المسلمين، ودم الهنود سكان القارة الأمريكية.
كانوا يسمون المجازر عقابًا، وتأديبًا لبسط الهيبة، وترويع الناس كانت سياسة الاجتياح المسيحي: أول ما يفعلونه عندما يدخلون قرية، أو مدينة هو ارتكاب مجزرة مخيفة فيها. . مجزرة ترتجف منها أوصال هذه الفعاج المرهفة)).
وأنه كثيرًا ما كان يصف لك القاتل، والمبشر في مشهد واحد فلا تعرف من تحزن: أمن مشهد القاتل، وهو يذبح ضحيته، أو يحرقها، أو يطعمها للكلاب أم من مشهد المبشر الذي تراه خائفًا من أن تلفظ الضحية أنفاسها قبل أن يتكرم عليها بالعماد فيركض إليها لاهثًا يجرجر أذيال جبته، وغلاظته، وثقل دمه لينصرها بعد أن نضج جسدها بالنار، أو اغتسلت بدمها، أو التهمت الكلاب نصف أحشائها.
إن العقل الجسور والخيال الجموح ليعجزان عن الفهم، والإحاطة فإبادة عشرات الملايين من البشر في فترة لا تتجاوز الخمسين سنة هول لم تأت به كوارث الطبيعة. ثم إن كوارث الطبيعة تقتل بطريقة واحدة. أما المسيحيون الأسبان فكانوا يتفننون، ويبتدعون، ويتسلون بعذاب البشر، وقتلهم. كانوا يجرون الرضيع من بين يدي أمه ويلوحون به في