الهواء، ثم يخبطون رأسه بالصخر، أو بجذوع الشجر، أو يقذفون به إلى أبعد ما يستطيعون. وإذا جاعت كلابهم قطعوا لها أطراف أول طفل هندي يلقونه، ورموه إلى أشداقها ثم أتبعوها بباقي الجسد، وكانوا يقتلون الطفل، ويشوونه من أجل أن يأكلوا لحم كفيه، وقدميه قائلين: إنها أشهى لحم الإنسان.
رأى لاس كازاس كل ذلك بعينيه، وأرسل الرسائل المتعددة إلى ملك أسبانيا يستعطفه، ويسترحمه ويطالبه بوقف عذاب هؤلاء البشر. وكانت آذان الملك الأسباني لا تسمع إلا رنين الذهب. ولماذا يشفق الملك على بشر تفصله عنهم آلاف الأميال من بحر الظلمات ما دامت جرائم عسكره، ورهبانه في داخل أسبانيا لا تقل فظاعة عن جرائم عسكره ورهبانه في العالم الجديد؟ كان الأسبان باسم الدين المسيحي الذي يبرأ منه المسيح -عليه السلام- يسفكون دم الأندلسيين المسلمين الذين ألقوا سلاحهم، وتجردوا من وسائل الدفاع عن حياتهم، وحرماتهم. وكان تنكيلهم بهم لا يقل، وحشية عن تنكيلهم بهنود العالم الجديد. لقد ظلوا يسومون المسلمين أنواع العذاب، والتنكيل، والقهر، والفتك طوال مائة سنة فلم يبق من الملايين الثلاثة والثلاثين (حسبما ذكر الكتاب) مسلم واحد كما ساموا الهنود تعذيبًا، وفتكًا، واستأصلوهم من الوجود. كانت محاكم التفتيش التي تطارد المسلمين، وتفتك بهم، ورجال التبشير الذين يطاردون الهنود، ويفتكون بهم من طينة واحدة.
إن أحدًا لا يعلم كم عدد الهنود الذين أبادهم الأسبان المسيحيون ثمة من يقول إنهم مائتا مليون، ومنهم من يقول إنهم أكثر. أما لاس كازاس فيعتقد أنهم مليار من البشر، ومهما كان الرقم فقد كانت تنبض بحياتهم قارة أكبر من أوروبا بسبعة عشر مرة، وها قد صاروا الآن أثرًا بعد عين.
أما المسيحيون فعاقبوهم بمذابح لم تعرف في تاريخ الشعوب. كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلًا، أو حاملًا، أو امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم، ويقطعون أوصالهم