للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الكفار من المؤلفة: فهو مَنْ يُخشى شره منهم، أو يرجى إسلامه، فيريد الإمام أن يعطي هذا حذرًا من شره، أو يعطي ذلك ترغيبًا له في الإسلام.

فقد كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعطيهم من خمس الخمس، كما أعطى صفوان بن أمية لِمَا يرى من ميله إلى الإسلام، أما اليوم فقد أعزَّ اللَّه الإسلام -فله الحمد-، وأغناه أن يُتَألَّف عليه رجال، فلا يُعطى مشرك تألفًا بحال، وقد قال بهذا كثير من أهل العلم: أن المؤلفة منقطعة وسهمهم ساقط. رُوي ذلك عن عكرمة، وهو قول الشعبي، وبه قال مالك والثوري، وأصحاب الرأي، وإسحاق بن راهويه.

وقال قوم: سهمهم ثابت، يُروى ذلك عن الحسن، وهو قول الزهري، وأبي جعفر محمد بن علي، وأبي ثور، وقال أحمد: يعطون إن احتاج المسلمون إلى ذلك. (١)

وفي شرح الموطأ: وَأَمَّا المُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ قَوْمٌ ذُو وَعْدٍ وَسَعَةٍ وَقُدْرَةٍ عَلَى الأَدَاءِ أَجَابُوا إِلَى الْإِسْلَامِ وَلم يَتَمَكَّنْ مِنْ نُفُوسِهِمْ؛ هَذَا الَّذِي قَالَهُ شُيُوخُنَا، وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ تَمَكَّنَ مِنْ نُفُوسِهِمْ غَيْرَ أَنَّ الطَّاعَةَ لِأَحْكَامِهِ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ نُفُوسِهِمْ، فَكَانَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يستألفهم بِالْعَطَاءِ، وَيُحَبَّبُ إِلَيْهِمْ الْإِيمَانَ، وَيَكُفُّ بِهِ أَذِيَّتَهُمْ، وَقَدْ انْقَطَعَ هَذَا الصِّنْفُ لَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَكَثُرَ. (٢)

وقال ابن حجر: والمراد بالمؤلفة: ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا، وقيل: كان فيهم مَنْ لم يسلم بعد كصفوان بن أمية، وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين هم أحد المستحقين للزكاة، فقيل: كفار يُعْطون ترغيبًا في الإسلام، وقيل: مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم، وقيل: مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم، وأما المراد بالمؤلفة هنا فهذا الأخير لقوله في رواية الزهري في الباب: "فإني أعطى


(١) تفسير البغوي (٤/ ٦٤)، وراجع النكت والعيون للماوردي (٢/ ١١٧).
(٢) المنتقى شرح الموطأ (٢/ ١١٥)، وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (٦/ ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>