للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وإن شاء تركهم ذمة أحرارًا للمسلمين كما فعل عمر -رضي اللَّه عنه- ذلك في أهل السواد، الأسارى مشركي العرب والمرتدين؛ فإنهم لا تقبل منهم جزية، ولا يجوز استرقاقهم، بل الحكم فيهم إما الإسلام أو السيف، وإن أسلم الأسارى بعد الأسر لا يقتلهم؛ لاندفاع شرهم بالإسلام، ولكن يجوز استرقاقهم، فإن الإسلام لا ينافي الرق جزاء على الكفر الأصلي، وقد وجد بعد انعقاد سبب الملك وهو الاستيلاء على الحربي غير المشرك من العرب، بخلاف ما لو أسلموا من قبل الأخذ فإنهم يكونون أحرارًا؛ لأنه إسلام قبل انعقاد سبب الملك فيهم، ولا يفادي بالأسارى في إحدى الروايتين عن الإمام أبي حنيفة رحمه اللَّه لما في ذلك من معونة الكفر؛ لأنه يعود الأسير الكافر حربًا علينا، ودفع شر حرابته خير من استنقاذ المسلم؛ لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء في حقه فقط، والضرر بدفع أسيرهم إليهم يعود على جماعة المسلمين (١).

والرواية الأخرى عنه أنه يفادي وهو قول محمد. وأبي يوسف. والإمام الشافعي. ومالك. وأحمد إلا بالنساء، فإنه لا يجوز المفاداة بهن عندهم، ومنع أحمد المفاداة بصبيانهم، وهذه رواية السير الكبير، قيل: وهو أظهر الروايتين عن الإمام أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: تجوز المفاداة بالأسارى قبل القسمة لا بعدها، وعند محمد تجوز بكل حال. ووجه ما ذكره الأئمة من جواز المفاداة أن تخليص المسلم أولى من قتل الكافر للانتفاع به، ولأن حرمته عظيمة، وما ذكر من الضرر الذي يعود إلينا بدفعه إليهم يدفعه ظاهرًا المسلم الذي يتخلص منهم؛ لأنه ضرر شخص واحد فيقوم بدفعه واحد مثله ظاهرًا فيتكافآن وتبقى فضيلة تخليص المسلم وتمكينه من عبادة اللَّه تعالى فإن فيها زيادة ترجيح.

ثم إنه قد ثبت ذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أخرج مسلم. وأبو داود. والترمذي. وعبد بن حميد. وابن جرير عن عمران بن حصين "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين"، ويحتج لمحمد بما أخرجه مسلم أيضًا عن إياس بن سلمة عن أبيه


(١) تفسير الآلوسي (١٩/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>