سأله المطعم، والإطلاق على ذلك التقدير لا يثبت إلا وهو جائز شرعًا لمكان العصمة، وكونه لم يقع لعدم وقوع ما علق عليه لا ينفي جوازه شرعًا.
واستدل أيضًا بالآية التي نحن فيها فإن اللَّه تعالى خير فيها بين المن والفداء، والظاهر أن المراد بالمن الإطلاق مجانًا؛ وكون المراد المن عليهم بترك القتل وإبقاءهم مسترقين أو تخليتهم لقبول الجزية وكونهم من أهل الذمة خلاف الظاهر، وبعض النفوس يجد طعم الإلاء أحلى من هذا المن.
وأجاب بعض الحنفية بأن الآية منسوخة بقوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}(التوبة: ٥)، فإنه يقتضي عدم جواز المن، وكذا عدم جواز الفداء وهي آخر سورة نزلت في هذا الشأن، وزعم أن ما وقع من المن والفداء إنما كالثاني قضية بدر وهي سابقة عليها وإن كان شيء من ذلك بعد بدر فهو أيضًا قبل السورة.
والقول بالنسخ جاء عن ابن عباس. وقتادة. والضحاك. ومجاهد في روايات ذكرها الجلال السيوطي في (الدر المنثور)، وقال العلامة ابن الهمام: قد يقال إن ذلك يعني ما في سورة براءة في حق غير الأسارى بدليل جواز الاسترقاق فيهم، فيعلم أن القتل المأمور به في حق غيرهم، وما ذكره في جواز الاسترقاف ليس على إطلاقه إذ لا يجوز كما علمت استرقاق مشركي العرب {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أي آلاتها وأثقالها من السلاح وغيره. (١)
وهذا صلاح الدين عامل الأسرى الصليبيين بالعفو وقبول الفداء بعد أن انتصر عليهم في معركة حطين الحاسمة، ولو أراد قتلهم لكان ذلك عدلًا على مبدأ المعاملة بالمثل، لكون الصليبيين قتلوا من المسلمين في يوم واحد في الحرب الصليبية الأولى أكثر من سبعين ألف أسير، ورحم اللَّه من قال:
ملكنا فكان العفو منا سجيةً ... فلما ملكتم سال بالدم أبطح