للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصلها اسم هيئة وهو الخَلْق مثل الخلقة كما بينه قوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (الروم: من الآية ٣٠). والمعنى: فطر الناس على الدين الحنيف أن الله خلق الناس قابلين لأحكام هذا الدين، وجعل تعاليمه مناسبة لخلقتهم، غير مجافية لها غير نائين عنه، ولا منكرين له، مثل إثبات الوحدانية لله لأن التوحيد هو الذي يسوق العقل والنظر الصحيح، حتى لو ترك الإنسان تفكيره ولم يلقن اعتقادًا ضالًا؛ لاهتدى إلى التوحيد بفطرته. فالفطرة هي الخلقة والهيئة التي في نفس الإنسان التي هي معدّة ومهيَّئة لأن يميز بها مصنوعات الله ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه.

فالله -عَزَّ وَجَلَّ- خلق الناس سالمة عقولهم مما ينافي الفطرة من الأديان الباطلة والعادات الذميمة، وأن ما يدخل عليهم من الضلالات ما هو إلا من جراء التلقي والتعود وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ" (١).

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيما يرويه عن ربه: "وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ... (٢).

فوصف الإسلام بأنه فطرة الله معناه أن أصل الاعتقاد فيه جاء على مقتضى الفطرة العقلية.

وأما تشريعاته وتفاريعه فهي إما أمور فطرية أيضًا أي: جارية على وفق ما يدركه العقل ويشهد به، وإما أن تكون لصلاحه مما لا ينافي فطرته، وقوانين المعاملات هي راجعة إلى ما تشهد به الفطرة لأن طلب المصالح من الفطرة.

واعلم أن شواهد الفطرة قد تكون واضحة بينة وقد تكون خفية، فالفطرة وهي الإسلام تسمى أيضًا بالضرورات العقلية وهي التي لا يستغني عنها أحد ولا يحاول في


(١) البخاري (١٣٥٨)، مسلم (٢٦٥٨).
(٢) مسلم (٢٨٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>