للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}. فإن قلت: لم جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أولًا ثم أفردهما آخرًا؟ قلت: لأن الخطاب مع المؤمنين. وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر، وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر، وإظهار أنّ ذلك جميعًا من أعمال الجاهلية وأهل الشرك، فوجب اجتنابه بأسره، وكأنه لا مباينة بين من عبد صنمًا وأشرك باللَّه في علم الغيب، وبين من شرب خمرًا أو قامر (١).

قال الطبري: يا أيها الذين صدّقوا اللَّه ورسوله، إن الخمر التي تشربونها، والميسِرَ الذي تَتَياسرونه، والأنصاب التي تذبحُون عندها، والأزلام التي تستقسمون بها {رِجْسٌ} يقول: إثم ونَتْنٌ سَخِطه اللَّه وكرهه لكم {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} يقول: شربكم الخمر، وقماركم على الجُزُر، وذبحكم للأنصاب، واستقسامكم بالأزلام، من تزيين الشيطانِ لكم، ودعائه إياكم إليه، وتحسينه لكم، لا من الأعمال التي ندبكم إليها ربُّكم، ولا مما يرضاه لكم، بل هو مما يسخطه لكم {فَاجْتَنِبُوهُ} يقول: فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} يقول: لكي تنجَحُوا فتدركوا الفلاحَ عند ربكم بترككم ذلك (٢).

قال الشيخ محمد رشيد رضا: ولما بين جل جلاله علة تحريم الخمر والميسر وحكمته أكده بقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}، فهذا استفهام يتضمن الأمر بالانتهاء ثم ذكر كلام الكشاف.

ثم قال وتبعه في ذلك الرازي وغيره ونحن نبين المؤكدات بأوضح مما بينوها به وأوسع فنقول: أحدها: أن اللَّه تعالى جعل الخمر والميسر رجسًا، وكلمة الرجس تدل على منتهى القبح والخبث، ولذلك أطلقت على الأوثان كما تقدم، فهي أسوأ مفهومًا من كلمة الخبيث وقد علم من عدة آيات أن اللَّه أحل الطيبات وحرم الخبائث.


(١) الكشاف للزمخشري (١/ ٦٧٤، ٦٧٥).
(٢) تفسير الطبري (٧/ ٣٢)، وفتح القدير للشوكاني (٢/ ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>