وكانت هذه هي المطرقة الأولى، ذات الصوت المسموع. . في الحس الإِسلامي، وفي الضمير الإِسلامي وفي المنطق الفقهي الإِسلامي، فمدار الحل والحرمة. . أو الكراهية. . على رجحان الإثم أو رجحان الخير، في أمر من الأمور، وإذا كان إثم الخمر والميسر أكبر من نفعهما. . فهذا مفرق الطريق. .
ولكن الأمر كان أعمق من هذا. . وقال عمر -رضي اللَّه عنه-: اللهم بين لنا بيانًا شافيًا في الخمر. . عمر! ! وهذا وحده يكفي لبيان عمق هذا التقليد في نفس العربي.
ثم حدثت أحداث -كالتي رويناها- ونزلت هذه الآية:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}(النساء: ٤٣)، وأخذ المنهج البصير الرفيق يعمل. . لقد كانت هذه هي المرحلة الوسيطة، بين التنفير من الخمر؛ لأن إثمها أكبر من نفعها وبين التحريم البات؛ لأنها رجس من عمل الشيطان. وكانت وظيفة هذه المرحلة الوسيطة: هي "قطع عادة الشراب" أو "كسر الإدمان"، وذلك بحظر الشراب قرب أوقات الصلاة. وأوقات الصلاة موزعة على مدار النهار، وبينها فترات لا تكفي للشراب -الذي يرضي المدمنين- ثم الإفاقة من السكر الغليظ حتى يعلموا ما يقولون فضلًا على أن للشراب كذلك أوقاتًا ومواعيد خاصة من الصبوح والغبودق. . صباحًا ومساء. . وهذه تتخللها وتعقبها أوقات الصلاة، وهنا يقف ضمير المسلم بين أداء الصلاة وبين لذة الشراب. .، وكان هذا الضمير قد بلغ أن تكون الصلاة عنده عماد الحياة.
ومع ذلك. . فقد قال عمر -رضي اللَّه عنه- وهو عمر! - اللهم بين لنا بيانًا شافيًا في الخمر. . ثم مضى الزمن. ووقعت الأحداث. وجاء الوعد المناسب -وفق ترتيب المنهج- للضربة الحاسمة فنزلت الآيتان في المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} (المائدة: ٩٠ - ٩١).