وانتهى المسلمون كافة. وأريقت زقاق الخمر، وكسرت دنانها في كل مكان. . بمجرد سماع الأمر.
لقد انتصر القرآن. وأفلح المنهج. وفرض سلطانه - دون أن يستخدم السلطان! ! !
ولكن كيف كان هذا؟ كيف تمت هذه المعجزة، التي لا نظير لها في تاريخ البشر؛ ولا مثيل لها في تاريخ التشريعات والقوانين والإجراءات الحكومية في أي مكان.
لقد تمت المعجزة؛ لأن المنهج الرباني أخذ النفس الإنسانية بطريقته الخاصة، أخذها بسلطان اللَّه وخشيته ومراقبته.
لقد ملأ فراغها باهتمامات كبيرة لا تدع فيها فراغًا تملؤه بنشوة الخمر، وخيالات السكر، وما يصاحبها من مفاخرات وخيلاء. . في الهواء. .
ملأ فراغها باهتمامات. منها: نقل هذه البشرية الضالة الشاردة كلها، من تيه الجاهلية الأجرد، وهجيرها المتلظي، وظلامها الدامس، وعبوديتها المذلة، وضيقها الخانق، إلى رياض الإِسلام البديعة، وظلاله الندية، ونوره الوضيء، وحريته الكريمة، وسعته التي تشمل الدنيا والآخرة!
وملأ فراغها -وهذا هو الأهم- بالإيمان بهذا الإحساس الندي الرضي الجميل البهيج، فلم تعد في حاجة إلى نشوة الخمر تحلق بها في خيالات كاذبة وسمادير! وهي ترف بالإيمان المشع إلى الملأ الأعلى الوضيء. . وتعيش بقرب اللَّه ونوره وجلاله. . وتذوق طعم هذا القرب، فتمج طعم الخمر ونشوتها، وترفض خمارها وصداعها. إن هذه كلها ليست إلا تعبيرًا عن الخواء الروحي. . من الإيمان أولًا. . ومن الاهتمامات الكبيرة التي تستنفد الطاقة ثانيًا. .، وليست إلا إعلانًا عن إفلاس هذه الحضارة في إشباع الطاقات الفطرية بطريقة سوية. .، ذلك الخواء وهذا الإفلاس هما اللذان يقودان إلى الخمر والميسر لملء الفراغ، كما يقودان إلى كل أنواع الجنون التي ذكرنا. وإلى المرض النفسي والعصبي. . وإلى الشذوذ وغير ذلك.