للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي: في هذه الأحاديث دلالة على جواز الانتباذ، وجواز شرب النبيذ ما دام حلوًا لم يتغير ولم يغل، وهذا جائز بإجماع الأمة، وأما سقيه الخادم بعد الثلاث وصبه، فلأنه لا يؤمن بعد الثلاث تغيره، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتنزه عنه بعد الثلاث. وقوله: (سقاه الخادم أو صبه) معناه تارة: يسقيه الخادم، وتارة يصبه، وذلك الاختلاف لاختلاف حال النبيذ، فإن كان لم يظهر فيه تغير ونحوه من مبادئ الإسكار سقاه الخادم ولا يريقه؛ لأنه مال تحرم إضاعته، ويترك شربه تنزهًا، وإن كان قد ظهر فيه شيء من مبادئ الإسكار والتغير أراقه؛ لأنه إذا أسكر صار حرامًا ونجسًا فيراق ولا يسقيه الخادم؛ لأن المسكر لا يجوز سقيه الخادم كما لا يجوز شربه، وأما شربه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل الثلاث فكان حيث لا تغير، ولا مبادئ تغير ولا شك أصلًا. واللَّه أعلم.

وحَدِيث عَائِشَة: "يُنْبَذ غَدْوَة فَيَشْرَبهُ عِشَاء وَيُنْبَذ عِشَاء فَيَشْرَبهُ غَدْوَة" فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِحَدِيثِ ابْن عَبَّاس في الشُّرْب إِلَى ثَلَاث؛ لِأَنَّ الشُّرْب في يَوْم لَا يَمْنَع الزِّيَادَة، وَقَالَ بَعْضهمْ: لَعَلَّ حَدِيث عَائِشَة كَانَ زَمَن الْحَرّ وَحَيْثُ يُخْشَى فَسَاده في الزِّيَادَة عَلَى يَوْم، وَحَدِيثِ ابْن عَبَّاس في زَمَن يُؤْمَن فِيهِ التَّغَيُّر قَبْل الثَّلَاث، وَقِيلَ: حَدِيث عَائِشَة مَحْمُول عَلَى نَبِيذ قَلِيل يَفْرُغ في يَوْمه، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس في كَثِير لَا يَفْرُغ فِيهِ. وَاللَّه أَعْلَم (١).

قال ابن العربي: حديث ابن عباس الذي ذكرناه: قلنا هذا صحيح سندًا ومتنًا ظاهرًا ومعنًى، كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يشرب حلوًا فإذا تغير شيء من ريحه سقاه الخدم إن شاءوه أو أراقه وذلك قبل أن يصل إلى حد الإسكار. فإن قيل فكيف يعطي الخدم ما لا يرضى.

قلت: إذا رضوه جاز وكان خيرًا من إراقته وكذلك سواه من الناس يجوز ذلك له وسوى النبيذ من الأطعمة والأشربة يجوز ذلك فيه (٢).


(١) النووي على شرح مسلم (٧/ ١٩٥).
(٢) عارضة الأحوذي لابن العربي (٨/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>