وقد أجاب الزرقاني أيضًا على الحكمة من ذلك، وذلك بشبهة قد أثيرت فقال: ندفع هذه الشبهة بجوابين:
أحدهما: أن نسخ الآية مع بقاء الحكم ليس مجردًا من الحكمة ولا خاليًا من الفائدة حتى يكون عبثًا، بل فيه فائدة أي فائدة وهي: حصر القرآن في دائرة محدودة تيسر على الأمة حفظه واستظهاره وتسهل على سواد الأمة التحقق فيه وعرفانه وذلك سور محكم وسياج منيع يحمي القرآن من أيدي المتلاعبين فيه بالزيادة أو النقص لأن الكلام إذا شاع وذاع وملأ البقاع ثم حاول أحد تحريفه سرعان ما يعرف وشد ما يقابل بالإنكار وبذلك يبقى الأصل سليما من التغيير والتبديل مصداقا لقوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)}.
والخلاصة أن حكمة اللَّه قضت أن تنزل بعض الآيات في أحكام شرعية عملية حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نسخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتها فقط رجوعًا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال وطردًا لعادته في عرض فروع الأحكام من الإقلال تيسيرًا لحفظه وضمانًا لصونه واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون.
ثانيهما: أنه على فرض عدم علمنا بحكمة ولا فائدة في هذا النوع من النسخ فإن عدم العلم بالشيء لا يصلح حجة على العلم بعدم ذلك الشيء وإلا فمتى كان الجهل طريقا من طرق العلم ثم إن الشأن في كل ما يصدر عن العليم الحكيم الرحمن الرحيم أن يصدر لحكمة أو لفائدة نؤمن بها وإن كنا لا نعلمها على التعيين وكم في الإسلام من أمور تعبدية استأثر اللَّه بعلم حكمتها أو أطلع عليها بعض خاصته من المقربين منه والمحبوبين لديه وفوق كل ذي علم عليم وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا.