للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول تعالى ذكره للمؤمنين باللَّه وبرسوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، أي: صدّقوا اللَّه ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}، يقول: من يرجع منكم عن دينه الحق الذي هو عليه اليوم، فيبدله ويغيره بدخوله في الكفر، إما في اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من صنوف الكفر، فلن يضر اللَّه شيئًا، وسيأتي اللَّه بقوم يحبهم ويحبونه، يقول: فسوف يجيء اللَّه بقومٍ خير من الذين ارتدوا وأبدلوا دينهم يحبهم اللَّه ويحبون اللَّه، وكان هذا الوعيد من اللَّه لمن سبق في علمه أنه سيرتد بعد وفاة نبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذلك وعده من وعد المؤمنين ما وعده في هذه الآية، لمن سبق له في علمه أنه لا يبدل ولا يغير دينه، ولا يرتد، فلما قبض اللَّه نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ارتد أقوام من أهل الوبَرِ، وبعض أهل المَدَر، فأبدل اللَّه المؤمنين بخيرٍ منهم كما قال تعالى ذكره، ووفى للمؤمنين بوعده، وأنفذ فيمن ارتد منهم وعيده. (١)

قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن قدرته العظيمة أن من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته، فإن اللَّه يستبدل به من هو خير لها منه، وأشد منعة وأقوم سبيلًا كم قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: ٣٨)، وقال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} (النساء: ١٣٣)، وقال تعالى {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} (إبراهيم: ١٩ - ٢٠) أي: بممتنع ولا صعب وقال تعالى هاهنا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} (المائدة: ٥٤) أي: يرجع عن الحق إلى الباطل (٢).

فأخبر تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة أنهم إن ارتد بعضهم؛ فإن اللَّه يأتي عوضًا عن ذلك بقوم من صفاتهم الذل للمؤمنين، والتواضع لهم ولين الجانب، والقسوة والشدة


(١) تفسير الطبري المائدة (٥٤) بتصرف يسير.
(٢) تفسير ابن كثير (المائدة: ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>