للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الكافرين، وهذا من كمال صفات المؤمنين، وبهذا أمر اللَّه نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمره بلين الجانب للمؤمنين، بقوله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨)} (الحجر: ٨٨).

وقوله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: ٢١٥)، وأمره بالقسوة على غيرهم بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (التوبة: ٧٣)، وأثنى تعالى على نبيه باللين للمؤمنين في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: ١٥٩) الآية، وصرح بأن ذلك المذكور من اللين للمؤمنين، والشدة على الكافرين، من صفات الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه -رضي اللَّه عنهم-، بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: ٢٩) (١).

فهم للمؤمنين أذلة من محبتهم لهم، ونصحهم لهم، ولينهم ورفقهم ورأفتهم، ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم، وقرب الشيء الذي يطلب منهم وعلى الكافرين باللَّه المعاندين لآياته المكذبين لرسله، أعزة: قد اجتمعت هممهم وعزائمهم على معاداتهم، وبذلوا جهدهم في كل سبب يحصل به الانتصار عليهم، قال تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال: ٦٠)، وقال تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} فالغلظة والشدة على أعداء اللَّه مما يقرب العبد إلى اللَّه، ويوافق العبد ربه في سخطه عليهم، ولا تمنع الغلظة عليهم والشدة دعوتهم إلى الدين الإِسلامي بالتي هي أحسن، فتجتمع الغلظة عليهم، واللين في دعوتهم، وكلا الأمرين من مصلحتهم ونفعه عائد إليهم. (٢)

ويقول الشيخ أبو بكر الجزائري: هذه الآية الكريمة تضمنت خبرًا من أخبار الغيب التي يخبر بها القرآن فتتم طبق ما أخبر به، فتكون آية أنه كلام اللَّه حقًا، وأن المنزل على رسوله صدقٌ؛ فقد أخبر تعالى أن من يرتد من المؤمنين سوف يأتي اللَّه -عزَّ وجلَّ- بخير


(١) أضواء البيان (المائدة: ٥٤).
(٢) تفسير السعدي، الآية نفسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>