للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن بطال: قال الطبري: في إطلاقه لهن الخروج إلى المساجد -وذلك إباحة لا ندب ولا فرض- دليل أن نظير ذلك الإذن لهن في كل ما كان مطلقًا الخروج فيه، نحو عيادة إحداهن بعض أهلها، وشهودها أعياد المسلمين، أو زيارة قبر ميت لها، وإذا كان حقًّا عليهم أن يأذنوا لهن فيما هو مطلق الخروج فيه؛ فالإذن لهن فيما هو فرض عليهن أو ندب الخروج إليه أولى كخروجهن لأداء شهادة لزمتهن، أو لتعرف أسباب دينهن، أو لأداء فرض الحج وشبهه من الفرائض، أو لزيارة أمهاتهن وآبائهن وذوي محارمهن. (١)

فلهذه الأدلة يجوز للمرأة أن تخرج لصلة رحمها، وليس للزوج منعها، لكن قد يقول قائل: إن طاعة الزوج واجبة، فكيف تخرج بغير إذنه؟ قلنا: إنما الطاعة في المعروف، وليس من المعروف أن يمنع الزوج زوجته من زيارة أقاربها، لأن الإسلام حث على صلة الرحم كما سبق. وقد يعترض آخر على ذلك فيقول: قد روي عن أنس أن رجلًا انطلق غازيًا في سبيل اللَّه وأمر امرأته أن لا تخرج من بيتها، فاشتكى أبوها فأرسلت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تسأله وتستخيره وتستأمره، فأرسل إليها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اتقي اللَّه وأطيعي زوجك، قال: فشهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباها قال: فلما دفنه أرسل إليها يقرؤها السلام، وقال: إن اللَّه قد غفر لأبيك بطواعيتك زوجك (٢).

وعليه فيجوز للزوجة الخروج لزيارة رحمها، وليس للزوج منعها، وليس معنى ذلك أن تكثر الزوجة من زيارة أقاربها مهملةً في ذلك شئون بيتها، فالزوجة راعية في بيتها، وهي مسئولة عن رعيتها، فينبغي أن تكون زيارتها لأقاربها بالمعروف.

قال ابن رشد: وسُئل مالك عن المرأة يغيب عنها زوجها، فيمرض أخوها أو أمها أو أختها، فتريد أن تأتيهم تعودهم، ولم يأذن لها زوجها حين خرج؟


(١) شرح البخاري لابن بطال ٢/ ٤٧٤.
(٢) (هذا حديث لا يثبت عن النبي) فقد أخرجه ابن عدي في (الكامل) (٧/ ١٥٣ - ١٥٤) من طريق يوسف بن عطية، عن ثابت، عن أنس.
وآفة هذا الطريق يوسف بن عطية، في المجروحين (١٣٤/ ٣) كان ممن يقلب الأسانيد، ويلزق المتون الموضوعة بالأسانيد الصحيحة، ويُحدِّثُ بها، لا يجوز الاحتجاج به بحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>