للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يفرق الإسلام في حق التعلم والثقافة بين الحرة والأمة، بل إن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحث على تعليم الحرة ولم يرغب في تثقيفها بمقدار ما حث على تعليم الأمة ورغب في تثقيفها وتأديبها. فقد روى البخاري في "صحيحه" عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما رجل كانت عنده وليدة -أي جارية- فعلمها فأحسن تعليمها. وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران".

وقد ضرب الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أروع مثل في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في حق التعلم والثقافة وفي حرصه على تعليم المرأة وتثقيفها بما فعله مع زوجه حفصة أم المؤمنين. فقد روت كتب السنة والتاريخ أن الشفاء العدوية، وهي سيدة من بني عدى رهط عمر بن الخطاب، كانت كاتبة في الجاهلية، وكانت تعلم الفتيات، وأن حفصة بنت عمر أخذت عنها القراءة والكتابة قبل زواجها بالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولما تزوجها -صلى اللَّه عليه وسلم- طلب إلى الشفاء العدوية أن تتابع تثقيفها وأن تعلمها تحسين الخط وتزيينه كما علمتها أصل الكتابة. عن الشفاء بنت عبد اللَّه قالت: دخل عليَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا عند حفصة، فقال لي: "ألا تعلمين هذه رُقية النملة كما علمتها الكتابة"، ويقصد برقية النملة تحسين الخط وتزيينه (١) (٢).

ومن هذا يظهر أن الإسلام قد هيأ للنساء على العموم فرصًا للتربية الراقية من انتهزنها منهن بلغن أعلى المراتب التي قدر للرجال بلوغها، فلم يكن السبب في الجهل الذي كان فاشيًا بين النساء المسلمات في الجيل الماضي راجعًا إلى النظم التربوية في الإسلام، وإنما كان


(١) المرأة في الإسلام (٢٤ - ٣٠).
(٢) قلت: الحديث أخرجه النسائى في الكبرى (٧٥٤٣)، مصنف عبد الرزاق (١٩٧٦٨)، وصححه الألبانى في الصحيحة (١٧٨) ثم قال معلقًا على الحديث: وفي الحديث فوائد كثيرة أهمها اثنتان:
الأولى: مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى، بخلاف طلب الرقية من غيره فهو مكروه لحديث "سبقك بها عكاشة" وهو معروف مشهور.
والأخرى: مشروعية تعليم المرأة الكتابة. ومن أبواب البخاري في "الأدب المفرد" (١١١٨): "باب الكتابة إلى النساء وجوابهن".

<<  <  ج: ص:  >  >>