ويكفينا أن نذكر في هذا المقام أن ابن عساكر عد أساتذته الذين أخذ عنهم، فكان منهم إحدى وثمانون امرأة كما قال ياقوت في "معجم الأدباء".
وذكر عبد الواحد المراكشي أنه كان بالربض الشرقي في قرطبة ١٧٠ امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي علمًا بأن عدد أرباض -أحياء- مدينة قرطبة واحد وعشرون ربضًا كما يقول المقري في "نفح الطيب".
وكان لبعض الشواعر أثر كبير في الإسلام منهن ليلى الأخيلية، وحميدة بنت النعمان، وسكينة بنت الحسين التي كانت تنقد الشعراء في قصائدهم وتكون حكما بينهم. وبدانية مولاة أبي المطرف عبد الرحمن بن غلبون التي كانت تحفظ الكامل للمبرد والنوادر لأبي علي الفارسي وتشرحهما، ومريم بنت أبي يعقوب الأنصاري التي من شعرها حين كبرت:
وما يرتجى من بنت سبعين حجة ... وسبع، كنسج العنكبوت المهلهل
تدب دبيب الطفل تسعى إلى العصا ... ويمشي بها مشي الأسير المكبل
وقل مثل هذا عن رابعة العدوية، وزبيدة أم جعفر زوجة الرشيد، وحفصة بنت الحاج الدكوني، وتقية أم علي بنت أبي الفرج. . . وقد ألف السيوطي كتابا قيما في أشعار النساء عنوانه:"نزهة الجلساء في أشعار النساء".
هذه أمثلة أقل من القليل، تدلنا على مكانة المرأة العلمية في العصر الإسلامي، ومشاركتها في شتى العلوم والفنون، فقد كان كثير من النساء أساتذة للرجال، يدرسونهم، ثم يجيزونهم. ونجد في الإجازات العلمية أسماء عدد من النساء اللاتي أجزن الرجال. وإذا كان التاريخ لم ينقل إلينا أخبار كثير منهن، فإن من ذكرهن شاهد على المنزلة العلمية الكبيرة التي وصلت إليها المرأة المسلمة، وفي الوقت الذي كانت المرأة في أوربا تباع وتشترى، وقد سموها رجسا وجعلوها من سقط المتاع وقالوا عنها: إنها كائن لا نفس له، بل كانوا يبيعون زوجاتهم ويأخذون جميع أموالهن. يقول سان بونا فنتور من رجال