للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجتمع متدين تسير سلوكه المبادئ الأخلاقية التي جاءت بها أديانه، فلا يمكن أبدًا أن ينظر إلى الأسرة بالمنظار الذي تنظر به الشيوعية والحضارة الغربية المادية إليها، وإلا كان ذلك خرابًا للمجتمع في نظر أديانه ومبادئه ومثله الخلقية، ورسالته الإنسانية.

إن النظر إلى كل فرد في المجتمع كآلة منتجة لا تهتم الدولة إلا بزيادة إنتاجها، هو رجوع بالإنسان إلى الوراء. . إلى عهود الرق والعبودية والسخرة. . وهذا ما لا ترضاه الإنسانية الكريمة في إنسان مجتمعنا المتدين الراقي بعواطفه وأخلاقه ومثله العليا.

على أن النظرة المادية لا تنطبق على واقع حياتنا وحياة المجتمعات الأخرى حتى في الشيوعية نفسها، فهناك -في كل مجتمع- فئات معطلة عن الإنتاج المادي، فالجيوش والموظفون لا يزيدون في ثروة الأمة المادية، وقد رضيت كل الأمم بأن يتفرغ الجيش لحماية البلاد، دون أن تلزمه بالعمل والكسب، فهل يقال: إن هذا تعطيل للثروة البشرية يؤدي إلى انخفاض الثروة القومية في البلاد؟ أم إن هؤلاء المنادين باشتغال المرأة خارج بيتها يوافقون على حرمان الأمة من جهود أفراد الجيش الاقتصادية في سبيل مصلحة أعلى وأثمن من المنفعة الاقتصادية؟ وإذا كان كذلك، فهل يكون التفرغ لشئون الأسرة أقل فائدة للأمة من تفرغ الجيش لحماية البلاد؟ أم يريدون أن ترهق المرأة بالعملين معًا؟

إن حياة الناس -أي ناس كانوا- ليست كلها تحسب بحساب الربح ولخسارة المادية، فالكرم والشهامة والتضحية والوفاء وبذل العون للآخرين كل ذلك خسران مادي، ولكنه ربح عظيم لا يتخلى عنه الناس الشرفاء الذين يعتزون بكرامتهم الإنسانية.

وليست صيانة الأسرة، ورعاية الطفولة، وتربية الأولاد بأقل شأنًا في نظر الإنسان الراقي المعتز بإنسانيته من تلك القيم الأخلاقية التي لا تقاس بالمقياس المادي البحت.

وأخيرًا فإن خوض الأمة معارك الدفاع عن حياتها، أو انتزاع استقلالها من أيدي المغتصبين، ترحب به كل أمة، بل لا تستطيع أي أمة كانت أن تفعل غيره، فكم تلحق بالأمة من خسائر مادية وبشرية في سبيل الدفاع المشروع؟ وهل يجرؤ أحد على أن يدعو

<<  <  ج: ص:  >  >>