وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩)} (الجائية: ١٨، ١٩)، فلو كانوا من المتقين فضلًا عن أن يكونوا هم المتقين؛ لكان الله وليهم ولكانت موالاتهم واجبة على المؤمنين، وهو قد نهى عن موالاتهم وجعل من يتولاهم ظالمًا وجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض والكفار بعضهم أولياء بعض، وأيضًا فإن الله - عز وجل - قال:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}(البقرة: ٣)، وهي الصلاة التي أمر بها في قوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (٧٨)} (الإسراء: ٧٨)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، والنصارى يصلون بغير طهور، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" وهم لا يقرؤونها، والصلاة التي فرضها وأثنى عليها مشتملة على استقبال الكعبة وعلى ركوع وسجدتين في كل ركعة، وغير ذلك مما لا يفعله النصارى، فكيف يمدحهم بإقامة الصلاة وهم لا يقيمون الصلاة التي أمر بإقامتها؟ .
ثم لو قال اليهودي المراد بقوله:{ذَلِكَ الْكِتَابُ} التوراة {لِلْمُتَّقِينَ} اليهود. لكان هذا - مع بطلانه - أقرب من قول القائل: إن المراد بالكتاب الإنجيل؛ لأن التوراة أحق بذلك من الإنجيل فإنها الأصل والله تعالى يقرن بينها وبين القرآن في غير موضع كقوله:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}(هود: ١٧)، وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)} (الأحقاف: ١٠)، وأما قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}(البقرة: ٤).
فهي صفة ثانية للذين يؤمنون بالغيب مجملا ثم وصفهم بإيمان مفصلًا بما أنزل إليك وما أنزل من قبله، والعطف بالواو يكون لتغاير الذوات ويكون لتغاير الصفات كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥)} (الأعلى: ١ - ٥)، والذي خلق فسوى هو الذي قدر فهدى وهو