للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى ذكره: زوجوا الصالحين من عبادكم وإمائكم ولا تكرهوا إماءكم على البغاء وهو الزنا {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} يقول: إن أردن تعففًا عن الزنا.

{لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يقول: لتلتمسوا بإكراهكم إياهن علي الزنا عرض الحياة الدنيا.

وذلك ما تعرض لهم إليه الحاجة من رياشها وزينتها وأموالها، (ومن يكرهن) يقول:

ومن يكره فتياته على البغاء، فإن اللَّه من بعد إكراهه إياهن على ذلك، لهن {غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ووزر ما كان من ذلك عليهن دونهن (١).

وعن جابر، أن جارية لعبد اللَّه بن أبي يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة فكان يكرههما على الزنى فشكتا ذلك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأنزل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إلى قوله {غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (٢)

فهذا أول دليل على تحريم البغاء في الشريعة الإسلامية، ولكن العجيب أنه استدل بها على العكس، فماذا قال فيها علماء الإسلام وما هي شبهته في هذه الآية؟

وقال البغوي: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ} إماءكم، {عَلَى الْبِغَاءِ} أي: الزنا. (٣)

وقال البقاعي: ولما أمر اللَّه سبحانه بالجود في أمر الرقيق تارة بالنفس، وتارة بالمال، نهاهم عما ينافيه، فقال: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ} أي: إماءكم، ولعله عبر بلفظ الفتوة هزًا لهم إلى معالي الأخلاق، وتخجيلًا من طلب الفتوة من أمة {عَلَى الْبِغَاءِ} أي الزنى لتأخذوا منهن مما يأخذنه من ذلك، ولما كان الإكراه على الزنى لا يصح إلا عند العفة وكان ذلك نادرًا من أمة {عَلَى الْبِغَاءِ} أي: الزنى لتأخذوا منهن مما يأخذنه من ذلك، ولما كان الإكراه على هذا الفعل حيث كانت النساء مطلقًا يتعففن عنه مع أنهن مجبولات على حبه، فكيف


(١) تفسير الطبري ١٩/ ١٧٤.
(٢) مسلم (٣٠٢٩).
(٣) تفسير البغوي ٣/ ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>