للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا لم يمنعهن مانع خوف أو حياء كالإماء؟ فكيف إذا أذن لهن فيه؟ ، فكيف إذا ألجئن إليه؟ وأشار بصيغة التفعل وذكر الإرادة إلى أن ذلك لا يكون إلا عن عفة بالغة، وزاد في تصوير التقبيح بذكر علة التزام هذا العار في قوله: {لِتَبْتَغُوا} أي تطلبوا طلبًا حثيثًا فيه رغبة قوية بإكراههن على الفعل الفاحش {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فإن العرض متحقق فيه الزوال والدنيا مشتقة من الدناءة.

ولما نهي سبحانه عن الإكراه رغب الموالي في التوبة عند المخالفة فيه، فقال {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ} دون أن يقول: وإن أكرهن، وعبر بالمضارع إعلامًا بأن يقبل التوبة ممن خالف بعد نزول الآية، وعبر بالاسم العلم في قوله {فَإِنَّ اللَّهَ} إعلامًا بأن الجلال غير مؤيس من الرحمة، ولعله عبر بلفظ {بَعْدِ} إشارة إلى العفو عن الميل إلى ذلك الفعل عند مواقعته إن رجعت إلى الكراهة بعده، فإن النفس لا تملك بغضه حينئذ، فقال {مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} أي: لهن وللموالي يستر ذلك الذنب إن تابوا {رَحِيمٌ} بالتوفيق إلى ما يرضيه. (١)

وقال ابن كثير: وقوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}، كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهي اللَّه المؤمنين عن ذلك وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة فيما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف في شأن عبد اللَّه بن أبي بن سلول، فإنه كان له إماء فكان يكرههن على البغاء طلبًا لخراجهن ورغبة في أولادهن ورياسة منه فيما يزعم (٢).

إنه سبحانه لما أرشد الموالي إلى نكاح الصالحين من المماليك نهى المسلمين عما كان يفعله أهل الجاهلية من إكراه إمانهم على الزنا، فقال: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}، والمراد


(١) نظم الدرر ٥/ ٢٦٢ - ٢٦٣.
(٢) تفسير ابن كثير ٣/ ٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>