للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالفتيات هنا الإماء وإن كان الفتى والفتاة قد يطلقان على الأحرار في موضع آخر، والبغاء: الزنا مصدر بغت المرأة تبغي بغاء إذا زنت وهذا مختص بزنا النساء، فلا يقال للرجل إذا زنا إنه بغي (١)، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ} إلى آخرة جملة مستأنفة سيقت لتقرير النهي وتأكيد وجوب العمل ببيان خلاص المكرهات من عقوبة المكره عليه عبارة، ورجوع غائلة الإكراه إلى المكرهين إشارة أي ومن يكرههن على ما ذكر من البغاء فإن اللَّه من بعد إكراههن غفور رحيم لهن كما في قراءة ابن مسعود وقد أخرجها عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عنه لكن بتقديم لهن على غفور رحيم ورويت كذلك أيضًا عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- وينبئ عنه على ما قيل قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} أي كونهن مكرهات على أن الإكراه مصدر المبني للمفعول، فإن توسيطه بين اسم إن وخبرها للإيذان بأن ذلك هو السبب للمغفرة والرحمة (٢).

قلت: فهذه بعض أقوال العلماء في تفسير الآية، وهي واضحة في أنهم استدلوا بها على تحريم البغاء، فما هي شبهة المتكلم على هذه الآية حيث استدل بها على العكس؟

أجاب العلماء على ذلك من وجوه:

أحدها: أن الكلام ورد على سبب، وهو الذي ذكرناه، فخرج النهي عن صفة السبب وإن لم يكن شرطًا فيه (٣).

وقال الماوردي: أنه وارد على سبب فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطًا فيه، وهذا ما روى جابر بن عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن أبي بن سلول كاهما له أمة يقال لها مسيكة، وكان يكرهها على الزنى، فزنت ببُرْدٍ فأعطته إياه، فقال: ارجعي فازني على آخر،


(١) فتح القدير سورة النور: ٣٣.
(٢) روح المعاني ١٨/ ١٥٨.
(٣) زاد المسير لابن الجوزي ٦/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>