للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال أيضًا، إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور: "قد أحصنت فرجها فهي محصنة"، كما قال جل ثناؤه: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} (التحريم: ١٢)، بمعنى: حفظته من الريبة ومنعته من الفجور، وإنما قيل لحصون المدائن والقرى "حصون" لمنعها من أرادها وأهلها، وحفظها ما وراءها ممن بغاها من أعدائها، ولذلك قيل للدرع: درع حصينة.

فإذا كان أصل الإحصان ما ذكرنا من المنع والحفظ، فبين أن معنى قوله {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} والممنوعات من النساء حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم، وإذا كان ذلك معناه وكان الإحصان قد يكون بالحرية كما قال جل ثناؤه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (المائدة: من الآية ٥)، ويكون بالإسلام كما قال تعالى ذكره {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (النساء: من الآية ٢٥)، ويكون بالعفة، كما قال جل ثناؤه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} (النور: من الآية ٤)، ويكون بالزوج، ولم يكن تبارك وتعالى خص محصنة دون محصنة في قوله {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} فواجب أن تكون كل محصنة بأي معاني الإحصان كان إحصانها حراما علينا سفاحًا أو نكاحًا إلا ما ملكته أيماننا منهن بشراء كما أباحه لنا كتاب اللَّه جل ثناؤه، أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل اللَّه، فالذي أباحه اللَّه تبارك وتعالى لنا نكاحًا من الحرائر: الأربع، سوى اللواتي حرمن علينا بالنسب والصهر، ومن الإماء: ما سبينا من العدو سوى اللواتي سبيناهن من أهل الكتابين ولهن أزواج، فإن السباء يحلهن من سباهن بعد الاستبراء، وبعد إخراج حق اللَّه تبارك وتعالى الذي جعله لأهل الخمس منهن، فأما السفاح، فإن اللَّه تبارك وتعالى حرمه من جميعهن، فلم يحله من حرة، ولا أمة، ولا مسلمة، ولا كافرة مشركة، وأما الأمة التي لها زوج فإنها لا تحل لمالكها إلا بعد طلاق زوجها إياها، أو وفاته وانقضاء عدتها منه فأما بيع سيدها إياها فغير موجب بينها وبين زوجها فراقًا ولا تحليلًا لمشتريها لصحة الخبر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه خير

<<  <  ج: ص:  >  >>