للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَال يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون: ٢٣]. فهذه دعوة أول رسول بعد حدوث الشرك، وقال كل من هود وصالح، وشعيب لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وهكذا جميع الأنبياء، ولذا قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} (الذاريات: ٥٦). وقال هرقل لأبي سفيان لما سأله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يقول لكم؟ قال: يقول: اعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم (١). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمِ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ الله. وفي رواية: "أَنْ يُوَحِّدُوا الله". (٢). (٣) واعلم أن توحيد الإلهية يتضمن توحيد الربوبية. قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)} إلى قوله: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦)} (الروم: ٣٠ - ٣٦)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ". (٤)

ولم يقل: ويسلمانه، وفي رواية: "يولد على الملة" (٥) وفي أخرى: "على هذه الملة" (٦).

وهذا الذي أخبر به - صلى الله عليه وسلم - هو الذي تشهد الأدلة العقلية بصدقه، فلو أقر رجل بتوحيد الربوبية، وهو مع ذلك لم يعبد الله وحده ويتبرأ من عبادة ما سواه - كان مشركًا من جنس أمثاله من المشركين، والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له، ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية، ويبين أنه لا خالق إلا الله، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله، فيجعل الأول دليلًا على الثاني. (٧)


(١) البخاري (٧).
(٢) البخاري (١٤٥٨)، والراوية الأخرى في البخاري (٧٣٧٢).
(٣) تيسير العزيز الحميد (٢٠: ٢١)، شرح الطحاوية (١٦) بتصرف.
(٤) البخاري (١٣٨٥)، مسلم (٢٦٥٨)، عن أبي هريرة.
(٥) الترمذي (٢١٣٨)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٤٥٦٠).
(٦) مسلم (٢٦٥٨).
(٧) شرح الطحاوية (١٦ - ١٩) بتصرف. وانظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (١/ ٢٢، ٢٣)، (٣/ ١٠٥ - ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>