للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك معصوم إلا الأنبياء والمرسلين فإذا اجتهد وأخطأ فله أجر على اجتهاده، ولا تعتمد فتواه لأمر وهو أنه خالف الدليل، والأصل عندنا الأدلة من القرآن أو السنة بفهم سلف الأمة، ولذلك قال الإمام مالك: كل يأخذ منه ويرد إلا المعصوم -صلى اللَّه عليه وسلم-. (١)

ومن هنا نقول فالاحتجاج بمثل هذا باطل، وهذا ينطبق أيضًا على ما ورد، وفي صحة وروده خلاف بين أهل العلم عن الإمامين مالك والشافعي -رحمهما اللَّه- وسيتبين أيضًا أنه قد ورد عنهم خلاف ذلك أي، بحرمة وطء المرأة في الدبر، أو رجعوا عن قولهم بالإباحة إلى المحرمة بعد ورود الدليل إليهم. أما الإمام مالك رحمه اللَّه تعالى فله في المسألة قولان ذكرهما ابن العربي (٢)، والقرطبي (٣).

هذا، وقد ذكر ابن الحاج القول الثاني للإمام مالك. قال: عن عبد الرحمن بن القاسم أن شرطي المدينة دخل على مالك بن أنس رحمه اللَّه تعالى فسأله عن رجل رفع إليه أنه أتى امرأته في دبرها! فقال مالك: أرى أن توجعه ضربًا؛ فإن عاد إلى ذلك ففرق بينهما. (٤)

وقال ابن حجر: وروى الخطيب في "الرواة عن مالك" من طريق اسرائيل بن روح قال: سألت مالكًا عن ذلك فقال: ما أنتم قوم عرب! هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ قال الحافظ: وعلى هذه القصة اعتمد المتأخرون عن المالكية، فلعل مالكًا رجع عن قوله الأول. (٥)، والذي يترجح القول بالرجوع إلى القول التحريم (٦).


(١) ورد هذا المعنى عند أئمة أصحاب المذاهب الأربعة أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وانظر: أقوالهم في هذه المسألة كما في "إعلام الموقعين" لابن القيم في الجزء الثاني في مواطن متفرقة، وقد جمع هذا الشيخ الألباني في مقدمة كتابه "صفة صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" فلتراجع فهي مهمة.
(٢) أحكام القرآن (١/ ١٧٤).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٩٦).
(٤) المدخل لابن الحاج (٢/ ١٩٤).
(٥) الفتح (٨/ ٣٨، ٣٩).
(٦) المدخل لابن الحاج (٢/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>