للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا ما ورد عن الشافعي كما قال ابن القيم: فإن قيل فما تقولون فيما نقله محمد ابن عبد اللَّه بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: ليس فيه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في التحريم والتحليل حديث ثابت، والقياس أنه حلال؟ (١).

قال ابن القيم: فلعل الشافعي -رحمه اللَّه- توقف فيه أولًا، ثم لما تبين له التحريم وثبوت الحديث فيه رجع إليه، وهو أولى بجلالته ومنصبه وإمامته من أن يناظر على مسألة يعتقد بطلانها، ثم يقول: والقياس حله، ويقول: وليس فيه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في التحريم والتحليل حديث ثابت على طريق الجدل! بل إن كان ابن عبد الحكم حفظ ذلك عن الشافعي فهو مما قد رجع عنه لما تبين له صريح التحريم. واللَّه أعلم.

والشافعي رحمه اللَّه قد صرح في كتبه بالتحريم واحتج بحديث خزيمة الذي ذكرناه قبل ذلك كما في كتاب الأم فقال: أخبرنا عَمِّي محمد بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ عن عبد اللَّه بن عَلِيِّ بن السَّائِبِ عن عَمْرِو بن أحيحة أو بن فُلَانِ بن أحيحة بن فُلَانٍ الْأَنْصَارِيِّ قال: قال محمد بن عَلِيٍّ، وكان ثِقَةً عن خُزَيْمَةَ بن ثَابِتٍ أَنَّ سَائِلًا سَأَل رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: حَلَالٌ، ثُمَّ دَعَاهُ أو أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فقال: كَيْفَ قُلْت؟ في أَيِّ الْخَرِبَتَيْنِ أو في أَيِّ الخْرَزَتَيْنِ أو في الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبْرِهَا في قُبُلِهَا فَنَعَمْ أَمْ من دُبْرِهَا في دُبْرِهَا فَلَا؛ إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِ من الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ في أَدْبَارِهِنَّ" (٢).

ثم قال الشافعي: قلت: عمي ثقة، وعبد اللَّه بن علي ثقة، وقد أخبرني محمد عن الأنصاري المحدث بها أنه أثنى عليه خيرًا وخزيمة ممن لا يشك علم في ثقته فلست أرخص فيه بل أنهى عنه (٣)، أي أنهى عن إتيان النساء في أدبارهن.

قلت: وهذا هو الأولى أن يحفظ عن الشافعي لموافقته للأدلة الثابتة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اهـ.


(١) البيهقي في معرفة السنن والآثار (٤٤٥٣).
(٢) الحديث صحيح سبق تخريجه.
(٣) الأم للشافعي (٥/ ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>