قيل لهم: قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بابن أمة زمعة لزمعة، وأمر سودة أن تحتجب منه لما رأى من شبهه بعتبة فلم يرها، وقد قضى أنه أخوها حتى لقيت اللَّه عز وجل. لأن ترك رؤيتها مباح وإن كان أخًا لها، وإنما منعني من فسخه أنه ليس بابنه إذا كان من زنا. (١)
قلت: وبعد النظر في كلام الشافعي يتبين الآتي:
١ - أن المسألة التي أوردها في الرضاع ليست في الصُّلب، ويتأيد هذا بما نقله ابن تيمية -رحمه اللَّه- عن بعض الشافعية من أنهم أنكروا أن يكون الشافعي قد صرح بذلك إلا في مسألة الرضاع (أي الناتج عن حمل من زنا).
٢ - ثم إنه قال: وأكره له في الورع أن ينكح بنات الذي ولد له من زنا كما أكرهه للمولود من زنا، وإن نكح من بناته لم أفسخه لأنه ليس بابنه في حكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي هذه الفقرة ما يلي:
أ- أن قوله أكره له في الورع أن ينكح بنات الذي ولد له من زنا، ليس صريحا في أنهما بنته من الزنا، إنما قال بنات الذي ولد له أي بنات المرأة التي زنا بها، وهذا يمكن أن يراد به نجاتها غير هذه البنت، وهذا موضوع آخر يدخل في التحريم بالمصاهرة، وليس في التحريم بالنسب، وهو مبني على أنه: هل الزنا يقوم في التحريم مقام النكاح أم لا؟ والشافعي يرى أنه لا يقوم مقامه، وهذه هي نفس المسألة التي أوردها هناك في التحريم بالمصاهرة، فأوردها هنا في المحرمات بالرضاع على اعتبار أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؛ فإذا كان الزنا بالأم لا يحرم البنت، فالزنا بالأم من الرضاع لا يحرم بنتها من الرضاع من باب أولى وهذا هو الظاهر من كلام الشافعي -رحمه اللَّه-، وعلى هذا فإن كلام الشافعي يحتمل بنات المزني بها من غيره رضاعًا، ويحتمل بنتها منه، أو سياق كلامه وبقية كلام
(١) الأم (٥/ ٤١، ٤٢)، والحديث أخرجه البخاري (١٢١٨)، والنسائي عن عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنهما-، وفيه زيادة قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لسودة: "واحتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ" قال الحافظ: إسناده حسن. ولم تصح هذه الزيادة عند الخطابي والنووي (فتح الباري ١٢/ ٣٧).