للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: انتزع مالك رحمه اللَّه تعالى ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين، لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة. هذا قوله في موطئه. (١)

قلت: وهذا الخبر مع الآية والمعنى، ينفى رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له. (٢)

قال ابن القيم: قَالَ أَصْحَابُ الْحَوْلَيْنِ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: ٢٣٣)، قَالُوا: فَجَعَلَ تَمامَ الرّضَاعَةِ حَوْلَيْنِ، فَدَلّ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَا بَعْدَهُمَا فَلَا يَتَعَلّقُ بِهِ التّحْرِيمُ. (٣)

قال ابن كثير: هذا إرشاد من اللَّه تعالى للوالدات: أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة، وهي سنتان، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك، ولهذا قال: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم، من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما لم يحرم. ثم نقل ابن كثير هذا القول عن جمهور العلماء وهم الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة والأكابر من الصحابة وسائر أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سوى عائشة. (٤)

قال الشافعي: والدلاله على الفرق بين الصغير والكبير موجودة في كتاب اللَّه -عز وجل-. قال اللَّه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فجعل اللَّه -عز وجل- تمام الرضاع حولين كاملين. وقال: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} يعني واللَّه تعالى أعلم قبل الحولين فدل على أن إرخاصه -عز وجل- في فصال الحولين على أن ذلك إنما يكون باجتماعهما على فصاله قبل الحولين، وذلك لا يكون -واللَّه تعالى أعلم- إلا


(١) ولفظ مالك كما جاء في الموطأ صـ (٤٧١) باب رضاعة الصغير "فأما ما كان بعد الحولين فإن قليله وكثيره لا يحرم شيئًا إنما هو بمنزلة الطعام".
(٢) تفسير القرطبي (٣/ ١٦٢: ١٦٣).
(٣) زاد المعاد ٥/ ٥٧٩.
(٤) تفسير ابن كثير ١/ ٥٢٢، ٥٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>