للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الراوي أشبه، وهو لا يوجب السماع، إلا ممَّن كان من علماء العربية الموثوق بهم، فالظاهر أنه لا يخالف مقتضاها، فإن استؤنس به ولم يُجعل دليلًا، لم يَرد عليه ما ذكر ولا ما قيل، من أنه لو فتح هذا الباب لزم الاستدلال بكل ما وقع في كلام علماء المحدثين كالحريري وأضرابه، والحجة فيما رووه لا فيما رأوه. وقد خطئوا المتنبي وأبا تمام والبحتري في أشياء كثيرة كما هو مسطور في شروح تلك الدواوين.

وقال السيوطي: أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام المولدين والمحدَثين في اللغة والعربية.

وأول الشعراء المحدثين بشار بن برد، . . .، ونقل ثعلب عن الأصمعي أنه قال: خُتم الشعر بإبراهيم بن هَرْمة وهو آخر الحجج.

وكذا عدّ ابن رشيق في العمدة طبقات الشعراء أربعًا، قال: هم جاهلي قديم، ومخضرم، وإسلامي، ومحدث. قال: ثم صار المحدثون طبقات أولى وثانية على التدريج هكذا في الهبوط إلى وقتنا هذا.

وأما قائل الثاني (١) فهو إما ربنا تبارك وتعالى، فكلامه -عز اسمه- أفصح كلام وأبلغه، ويجوز الاستشهاد بمتواتره وشاذه، كما بينه ابن جني في أول كتابه "المحتسب" وأجاد القول فيه.

وأما الاستدلال بحديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد جوَّزه ابن مالك، . . .، وقد منعه ابن الضائع وأبو حيان، وسندهما أمران:

أحدهما: أن الأحاديث لم تنقل كما سُمعت من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما رويت بالمعنى.

وثانيهما: أن أئمة النحو المتقدمين من المِصْرَين لم يحتجوا بشيء منه.

ورُدَّ الأول -على تقدير تسليمه- بأنَّ النقل بالمعنى إنما كان في الصدر الأول قبل تدوينه في الكتب، وقبل فساد اللغة، وغايته تبديل لفظ بلفظ يصح الاحتجاج به، فلا فرق. على أن اليقين غير شرط، بل الظن كاف.


(١) أي النوع الثاني من الكلام، وهو ما كان غير شعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>