للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن يكُ أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيَّارًا بها لغريب

والتقدير: فإني لغريب وقيارٌ كذلك. (١)

وهكذا ورد في الاستعمال اللغوي عند العرب؛ أن الجملة الاسمية المؤكدة بـ (إنَّ) يجوز أن يذكر فيها مبتدأ آخر غير اسم (إنَّ) وأن يذكر خبر واحد يكون لاسم (إنَّ)، ويحذف خبر المبتدأ الثاني لدلالة خبر اسم (إنَّ) عليه، أو يحذف خبر اسم (إنَّ)، ويكون الخبر المذكور للمبتدأ الثاني دليلًا على خبر اسم (إنَّ) المحذوف.

وعلى هذا تُخَرَّجُ كَلِمَةُ "الصابئون" في الآية الكريمة.

واختار الزمخشري من المفسرين النحاة هذا المذهب فقال: (والصابئون) رفع على الابتداء، وخبره محذوف، والنية به التأخير عما في حيز (إنَّ) من اسمها وخبرها؛ كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا، والصابئون كذلك. (٢)

وقد تفيد الواو العطف على محل اسم (إنَّ) الذي حقه الرفع كمبتدأ قبل تمام الخبر. (٣)

قال الفراء: فإن رفع (الصابِئين) على أنه عطف على (الذين)، و (الذين) حرف على جهة واحدة في رفعه ونصبه وخفضه، فلمَّا كان إعرابه واحدا وكان نصب (إنّ) نصبًا ضعيفًا -وضعفه أنه يقع على الاسم ولا يقع على خبره- جاز رفع الصابئين. (٤)


(١) المصدر السابق.
(٢) الكشاف للزمخشري (١/ ٦٦٠) وانظر: فتح القدير للشوكاني (٢/ ٩٠).
(٣) وهذا مذهب الكوفيين، قال الشاعر:
غداة أحلت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات السدائف والخمرُ
فرفع الخمر على الاستئناف، فكأنه قال: والخمر كذلك، وقال آخر:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتًا أو مجُلفُ
فرفع مجلف على الاستئناف، فكأنه قال: أو مجلف كذلك، وهذا كثير في كلامهم، انظر الإنصاف لابن الأنباري ١/ ١٨٥.
(٤) معاني القرآن للفراء ١/ ٢٣٠، ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>