فكلمات هذه الآية إذا وزعت على صفات فأشدها وقعًا على النفس وأكثرها أعباء وأشقها كلفة هي الصبر في المحن والشدائد والأخطار؛ خاصةً في ملاقاة العدو والتعرض لزحفه وسلاحه، ولهذا جاء إعراب (الصابرين) مخالفًا لإعراب ما قبلها؛ ليلفت اللَّه أذهان العباد إلى أهمية الصبر في هذه المجالات، وهذا الإعراب المخالف لما قبله يفيد مع تركيز الانتباه وتوفير العناية بتأمُّل هذا الخُلق العظيم - يفيد أمرًا آخر مبهجًا للنفوس هو مدح هؤلاء الصابرين شديدي العزيمة قويي الاحتمال، إنها بلاغة القرآن المعجز، وعبقرية لغة التنزيل.
وهذا الإعراب المخالف لإعراب ما قبله، هو الذي يسميه النحاة بـ (القطع) وهو إما للمدح كما في هذه الآية، وآية النساء:(والمقيمين الصلاة)، وإما بقصد الذم كما في قوله تعالى:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}(المسد: ٤) أي: امرأة أبي لهب التي كانت تحمل الشوك وتنثره في طريق رسول اللَّه لتؤذيه؛ لأن كلمة (حمالة) جاءت منصوبة بعد رفع ما قبلها، وهى (امرأتُه) فهذا قطع كذلك القصد منه الذم أي: أذم أو ألعن حمالة الحطب. (١)
(١) قال الزمخشري: قرىء: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} بالنصب على الشتم، وأنا أستحب هذه القراءة. ٦/ ٤٥٨. وقال الفراء: والشتم على الاستئناف كما قال: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} لمن نصبه، وقال: وأما النصب فعلى جهتين: إحداهما أن تجعل الحمالة قطعًا، والوجه الآخر: أن تشتمها بحملها الحطب، فيكون نصبها على الذم؛ معاني القرآن ٢/ ٣٥٠، ٣/ ٢٩٨.