(قريب) والتي كان حقها التأنيث -زعموا- وأقوى ما ذكره:
المسلك السادس: إن هذا من باب الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر لكونه تبعًا له ومعنى من معانيه، فإذا ذكر أغنى عن ذكره؛ لأنه يفهم منه، ومنه في أحد الوجوه قوله تعالى:{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}(الشعراء: ٤) فاستغنى عن خبر الأعناق بالخبر عن أصحابها، ومنه في أحد الوجوه قوله تعالى:(واللَّه ورسوله أحق أن يرضوه)؛ المعنى: واللَّه أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، فاستغنى بإعادة الضمير إلى اللَّه إذ إرضاؤه هو إرضاء رسوله فلم يحتج أن يقول: يرضوهما، فعلى هذا يكون الأصل في الآية: إن اللَّه قريب من المحسنين، وإن رحمة اللَّه قريبة من المحسنين، فاستغنى بخبر المحذوف عن خبر الموجود وسوغ ذلك ظهور المعنى. وهذا المسلك مسلك حسن إذا كسي تعبيرًا أحسن من هذا وهو مسلك لطيف المنزع دقيق على الأفهام وهو من أسرار القرآن والذي ينبغي أن يعبر عنه به: أن الرحمة صفة من صفات الرب تبارك وتعالى، والصفة قائمة بالموصوف لا تفارقه؛ لأن الصفة لا تفارق موصوفها فإذا كانت قريبة من المحسنين فالموصوف تبارك وتعالى أولى بالقرب منها، بل قرب رحمته تبع لقربه هو تبارك وتعالى من المحسنين، وقد تقدم في أول الآية أن اللَّه تعالى قريب من أهل الإحسان بإثابته ومن أهل سؤاله بإجابته وذكرنا شواهد ذلك، وأن الإحسان يقتضي قرب الرب من عبده كما أن العبد قريب من ربه بالإحسان، وأن من تقرب منه شبرًا تقرب اللَّه منه ذراعًا، ومن تقرب منه ذراعًا تقرب منه باعًا، فالرب تبارك وتعالى قريب من المحسنين ورحمته قريبة منهم، وقربه يستلزم قرب رحمته ففي حذف التاء ههنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمة الجليلة، وأن اللَّه تعالى قريب من المحسنين وذلك يستلزم القربين: قربه وقرب رحمته، ولو قال: إن رحمة اللَّه قريبة من المحسنين لم يدل على قربه تعالى منهم؛ لأن قربة تعالى أخص من قرب رحمته، والأعم لا يسلتزم الأخص بخلاف قربه، فإنه لما كان أخص استلزم الأعم وهو قرب رحمته فلا تستهن بهذا المسلك فإن له شأنًا وهو متضمن لسر بديع من أسرار