للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن قيس بن عباد، عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: أنا أول من يجثوا بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال قيس: وفيهم أنزلت: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}، قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة (أو أبو عبيدة) بن الحارث، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة. (١)

والخصم: صفة وصف بها الفوج أو الفريق، فكأنه قيل: هذان فوجان أو فريقان مختصمان، وقوله: (هذان) للفظ، و (اختصموا) للمعنى. (٢)

وقوله: (اخْتَصَمُوا) ولم يقل: اختصمَا لأنهما جَمعان ليسَا برجلين، ولو قيل: اختصما كان صَوَابًا، ومثله {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} يذهب إلى الجمع، ولو قيل: اقتتلتا لجاز؛ يذهب إلى الطائفتين. (٣)

فالخصمان -مؤمنون هم: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وكافرون هم: ابنا ربيعة: شيبة، وعتبة، والوليد بن عتبة- كلُّ فريق منهم به أكثر من واحد؛ لذا جاءت (اختصموا) مفيدةً الجمعَ لهذا المعنى.

ثانيًا: الاثنان قد يعاملان معاملة الجميع.

فإذا اعتبرنا أن (الخصمان) مثنى لفظًا؛ فإن العرب تجيز أن يصيرا كالجمع.

قال سيبويه: وسألتُ الخليل -رحمه اللَّه- عن: ما أحسنَ وجوهَهما؟ فقال: لأن الاثنين جميعٌ، وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا ذاك، ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفردًا وبين ما يكون شيئًا من شيء، وقد جعلوا المفردين أيضًا جميعًا. (٤)

قول اللَّه -عز وجل- {اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قد جاء بلفظ العدد الذي فوق الاثنين وكان مثل


(١) صحيح البخاري (٤٧٤٤).
(٢) الكشاف للزمخشري ٣/ ١٤٩.
(٣) معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٢٠.
(٤) الكتاب لسيبويه ٢/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>