للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: سابق) وكأنَّهم قد أثبتوا في الأول الباء، فكذلك هذا لما كان الفعل الذي قبله قد يكون جزمًا ولا فاء فيه تكلّموا بالثاني، وكأنهم قد جزموا قبله، فعلى هذا توهموا هذا. (١)

وكذلك وجَّه الإمام الزمخشري مجيء الفعل: "وأكن" مجزومًا مردوفًا على الفعل المنصوب "فأصدق" (٢) بأن قوله تعالى: "لولا أخرتني. . " في محل جزم لتضمنه معنى الشرط، فكأنه قيل: إن أخرتني أصدقْ وأكنْ من الصالحين.

قال الزمخشري: وقُرِئَ: "وأكنْ"، عطفًا على محل: (فَأَصَّدَّقَ) كأنه قيل: إِنْ أخرتني أصدَّقْ وأكنْ، ومن قرأ: "وأكونَ" على النصب فعلى اللفظ، وقرأ عبيد بن عمير: "وأكونُ"، على: "وأنا أكونُ" عِدَةٌ منه بالصلاح. (٣)

فالعطف على المحل المجزوم بالشرط المفهوم مما قبله جائز عند العرب، ولو لم تكن الفاء لكانت كلمة: (أصدق) مجزومة، فجاز العطف على موضع الفاء.

قال الفرَّاءُ: يقال: كيف جزم: (وأكن)، وهى مردودة على فعل منصوب؟

فالجواب في ذلك: أن -الفاء- لو لم تكن في أصدق كانت مجزومة، فلما رددت (وأكنْ) - ردّت على تأويل الفعل لو لم تكن فيه الفاء، ومَن أثبت الواو ردَّه على الفعل الظاهر فنصبه، وهى في قراءة عبد اللَّه، "وأكونَ من الصالحين".

وَقد يجوز نصبها في قراءتنا، وإن لم تكن فيها الواو؛ لأن العربَ قد تسقط الواو في بعض الهجاء، كما أسقطوا الألف من سليمن وأشباهه، ورأيت في بعض مصاحف عبد اللَّه: (فقولا): فقلا بغير واو. (٤)

فالتوجيه بأن هذا الفعل مجزوم على تضمن عبارة التمني: "لولا أخرتني إلى أجل


(١) الكتاب لسيبويه ٣/ ١٠٠.
(٢) قرأ الجمهور فأصدقَ وهو منصوب على جواب الرغبة. البحر المحيط لأبي حيان ٨/ ٢٧٠.
(٣) الكشاف للزمخشري ٤/ ٥٤٤.
(٤) معاني القرآن للفراء ٣/ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>