للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتقل إلى قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)} الدال على أنه منعم بأنواع النعم جلائلها ودقائقها - تضاعفت قوة ذلك المحرك، ثم إذا انتقل إلى خاتمه هذه الصفات العظام وهي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} الدال على أنه مالك للأمر كله يوم الجزاء - تناهت قوته وأوجب الإقبال عليه وخطابه بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات. وكما في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} (النساء: ٦٤) لم يقل: واستغفرت لهم، وعدل عنه إلى طريق الالتفات تفخيمًا لشأن رسول اللَّه لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعة مَنْ اسمُهُ الرسولُ من اللَّه بمكان (١).

ومن أغراض الالتفات الذي يكون في شعر العرب ما ذكره السكاكي في أبيات امريء القيس حين يقول:

تطاول ليلك بالإثمد ... ونام الخلي ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العاثر الأرمد

وذلك من نبأ جاءني ... وخبرته عن أبي الأسود

١ - أحدها: أن يكون قصد تهويل الخطب واستفظاعه، فنبّه في التفاته الأول على أن نفسه وقت ورود ذلك النبأ عليها وَلهتْ وَلَهَ الثكلى؛ فأقامها مقام المصاب الذي لا يتسلى بعض التسلي إلا بتفجع الملوك له وتحزنهم عليه، وخاطبها بـ: تطاول ليلك تسليةً.

٢ - أو: على أنها لفظاعة شأن النبأ أبدت قلقًا شديدًا ولم تتصبر فعل الملوك، فشك في أنها نفسه، فأقامها مقام مكروب، وخاطبها بذلك تسليةً، وفي الثاني: على أنه صادق في التحزن خاطب أولًا، وفي الثالث: على أنه يريد نفسه.

٣ - أو: نبه في الأول على أن النبأ لشدته تركه حائرًا فما فطن معه لمقتضى الحال، فجرى على لسانه ما كان ألفه من الخطاب الدائر في مجاري أمور الكبار أمرًا ونهيًا، وفي الثاني: على أنه


(١) انظر الكشاف للزمخشري؛ الفاتحة: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>