وعلية التبديل متمثلة في قوله تعالى {لِيَذُوقُوا} ألم {الْعَذَابَ} أي: يدوم لهم ذلك بخلق جلد آخر مكانه، والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية لا لآلة إدراكها، فلا محذور، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} لا يمتنع عليه ما يريد (١).
ومن منطلق الإيمان بقدرة اللَّه تعالى على تعذيب الكافرين في النار وإبقائهم فيها أبدًا دون الحاجة إلى حرق الجلد وتبديله يقول ابن عادل الحنبلي: فَإنْ قِيل: إنَّهُ تعالى قادِرٌ على إبْقَائِهِمْ أحْياء في النَّارِ أبَدَ الآبَادِ، فَلِمَ لَمْ يُبْقِ أبْدانهمُ في النَّارِ مَصُونةً عن النضْجِ، مع إيصال الألم الشديد إليها مِنْ غيْرِ تَبْدِيلٍ لَهَا؟
فالجواب: أَنَّهُ لا يُسْألُ عما يفعلُ، بل نقولُ: إنَّهُ قَادِرٌ على أنْ يُوصِلَ إلى أبْدانِهم آلامًا عظيمةً من غيرِ إدْخَالِ النَّارِ مع أنه تعالى أدْخلَهم النَّارِ.
فإنْ قِيلَ: كَيْفَ يُعَذِّبُ جُلُودًا لم تكن في الدنيا ولم تَعْصِهِ؟
فالجوابُ من وُجُوهِ:
الأوَّلُ: أنه يُعَادُ الأولُ في كُلِّ مَرَّةٍ، وإنَّما قال: غيرَها لتبدل صفتها، كما تقولُ: صَنَعْتُ مِن خَاتَمِي خَاتمًا غيرَهُ، فالخَاتَمُ الثَّانِي هُوَ الأولُ؛ إلَّا أنَّ الصناعةَ والصِّفَةَ تبدَّلتْ.
الثاني: المعذَّبُ هو الإنسانُ في الْجِلْدِ لا الْجِلْدُ، بل الجِلْدُ كالشَّيءِ الملتَصِقِ به، الزَّائِدِ على ذَاتِهِ، فإذا جُدِّدَ الجِلْدُ صَارَ ذلك الجلدُ سَبَبًا لوصولِ العذاب إلَيْهِ، فالمعذبُ لَيْسَ إلَّا العَاصِي؛ يدلُّ عليه قولُه تعالى:{لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} ولَمْ يَقُلْ: ليَذُوقَ.
الثالث: قال السُّدِّيُّ: يُبَدَّلُ الجِلْدُ جِلْدًا غَيرَهُ مِنْ لَحْمِ الكَافِرِ.
الرابع: قال عَبْدُ الْعَزِيز بنُ يَحْيَى: إنَّ اللَّه -تعالى- يُلبِسُ أهْلَ النَّارِ جُلُودًا لا تألَّمُ، بل هي تُؤلِمُهُم: وَهِيَ السَّرَابِيلُ فكُلَّمَا احترق جِلْدٌ بدّلَهُم جِلْدًا غَيْرَهُ.
طعن القَاضِي في هذا فقال: إنه تَرْكٌ للظَّاهِرِ، وأيضًا السَّرَابِيلُ مِنَ القَطرَانَ لا تُوصَفُ بالنُّضْجِ، وإنما تُوصَفُ بالاحْتِراقِ.