للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخَامِسُ: يمكنُ أنْ يكونَ هذا استعارةً عن الدَّوَامِ، وعدمِ الانْقِطَاعِ؛ يُقالُ للموصوفِ بالدَّوام: كُلَّمَا انْتَهى فقد ابْتَدَأ، وكُلَّمَا وَصَلَ إلى آخره فقد ابتدَأ من أوله، فكذلك قوله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} يَعْني: أنهم كُلّما ظَنُّوا أنهم نَضِجُوا واحْتَرقُوا وانتهوا إلى الهلاكِ أعْطَيناهُم قُوَّةً جَديدةً من الحياة؛ بحيثُ ظنُّوا أنَّهم الآنَ وجدُوا، فيكونُ المقصودُ بيانَ دَوَام العَذَابِ.

فإن قيل: قوله: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} إنما يُقالُ: فلانٌ ذَاقَ الشَّيءَ، إذَا أدْرَكَ شَيْئًا قَلِيلًا منه، واللَّه تعالى قَدْ وَصَفَهُمْ بأنهم كانوا في أشدِّ العذابِ، فكيْفَ يَحْسُنُ أن يذكرَ بعد ذلك أنَّهم ذَاقُوا العذابَ؟

فالجوابُ: المقصودُ مِنْ ذِكْرِ الذَّوْقِ الإخبارُ بأنَّ إحساسَهُم بذلك العذابِ في كُلِّ حالٍ يَكُونُ كإحْسَاسِ الذَّائِقِ بالتذوق من حيثُ إنه لا يَدْخُلُ فيه نُقْصَانٌ، ولا زَوَالٌ بِسَبَبِ ذلك الاحتراقِ (١).

ومن فهمه للآية قطع أبو السعود بأن المعذب هو النفس، وأن الجلود أداة موصلة للعذاب، فقال: فمعنى قولِه تعالى: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} ليدومَ ذَوْقُهم ولا ينقطِعَ، كقولك للعزيز: أعزَّك اللَّه، وقيل: يخلُق مكانَه جلدًا آخرَ، والعذابُ للنفس العاصيةِ لا لآلة إدراكِها. . . وقال الحسنُ: تأكلُهم النارُ كلَّ يومٍ سبعين ألفِ مرةٍ كلما أكلتْهم قيل لهم: عودوا فيعودون كما كانوا (٢).

وروى أبو هريرةَ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن بين منكِبَي الكافرِ مسيرةَ ثلاثةِ أيامٍ للراكبِ


(١) تفسير اللباب ٥/ ٢٠٤، وانظر المحرر الوجيز ٢/ ١٤٤ بتصرف.
(٢) رواه أحمد في الزهد ١/ ٩٦٢، وابن أبي شيبة ١٣/ ١٦٣ رقم (٣٥٢٨٨)، والبيهقي في الشعب (٣٩٢). قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط (١٦٠٨) وفيه نافع مولى يوسف السلمي وهو متروك ٧/ ٦٢. وقال السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن ج ٢/ ٥٠٧ - ٦٤٥٥) وأخرجه الطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر. وقال إسحاق بن راهويه: سئل فضيل بن عياض عن هذه الآية فأخبرنا عن هشام عن الحسن قال: "تبدل جلودهم كل يوم سبعين ألف مرة"، وقال الألباني: ضعيف مقطوع (ضعيف الترغيب ٢١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>