للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسرعِ" (١)، وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ضِرْسُ الكافرِ أو نابُ الكافرِ مثلُ أحُدٍ، وغِلَظُ جلدِه مسيرةُ ثلاثةِ أيامٍ" (٢).

والتعبيرُ عن إدراك العذابِ بالذوق ليس لبيان قلَّتِه بل لبيان أن إحساسَهم بالعذاب في كل مرةٍ كإحساس الذائقِ بالمذوق من حيث إنه لا يدخُله نقصانٌ بدوام الملابَسةِ، أو للإشعار بمرارة العذابِ مع إيلامه، أو للتنبيه على شدة تأثيرِه من حيث إن القوةَ الذائقةَ أشدُّ الحواسِّ تأثرًا، أو على سِرايته للباطن، ولعل السرَّ في تبديل الجلودِ - مع قدرتِه تعالى على إبقاء إدراكِ العذابِ وذوقِه بحاله مع الاحتراق أو مع إبقاء أبدانِهم على حالها مَصونةً عن الاحتراق - أن النفسَ ربما تتوهَّمُ زوالَ الإدراكِ بالاحتراق ولا تستبعد كلَّ الاستبعادِ أن تكون مصونةً عن التألم والعذابِ صيانةَ بدنِها عن الاحتراق (٣).

وهل التبديل بجلد آخر أم هو الجلد الأول بعد تغيير صفته.

قال السمرقندي: وقد طحنت الزنادقة في هذا وقالوا: إن الجلد الذي تبدل لم يذنب، فكيف يستحق العقوبة والعذاب؟ وقيل لهم: إن ذلك الجلد هو الجلد الأول، ولكنه إذا أحرق أعيد إلى الحال الأول، كالنفس إذا صارت ترابًا وصارت لا شيء ثم أحياها اللَّه تعالى، فكذلك هاهنا.

وقوله تعالى {جُلُودًا غَيْرَهَا} هو كقوله تعالى في آية أخرى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (إبراهيم: ٤٨) قال ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: يعني يزاد في سعتها، وتسوى جبالها وأوديتها.

ثم قال تعالى: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} أي: لكي يجدوا مس العذاب (٤).


(١) رواه البخاري (٦٠٦٩)، ومسلم (٥٠٩١).
(٢) رواه مسلم (٥٠٩٠).
(٣) تفسير أبي السعود ٢/ ١٠١، وانظر النكت والعيون للماوردي ١/ ٣٠٦.
(٤) بحر العلوم ١/ ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>