للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموجودة فيه هي التي تعطي إشارات للمخ. . . إلخ (١)، وهذا يعنى أن الجهاز العصبي الذي يقولون إنه هو المسئول عن الإحساس بالألم ما هو إلا أحد أجزاء هذا الجلد، وإذا تأملنا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦)} (النساء: ٥٦)، فإننا نجد أن الآية الكريمة تتحدَّث عن لون من ألوان العذاب الَّذي سَيُجزَى بهم الكافرون؛ وهو تبديل جلودهم المحترقة بغيرها، فيكون هذا العذاب من أشدِّ أنواع العذاب إيلامًا يعانون منه طيلة فترة إقامتهم في النار.

وقد كشف علمُ التشريح المجهري اليوم عن السرِّ في اختيار اللَّه لهذا النوع من التعذيب، فقد تبيَّن أن الجلد عضو غنيٌّ بالنهايات العصبية، الَّتي تقوم باستقبال جميع أنواع الحسِّ من المحيط الخارجي، كالإحساس بالألم والحرارة والضغط والبرودة، أمَّا النُسج الَّتي تلي طبقة الجلد فإنها أكثر تحسُّسًا بمستقبلات حسِّ الضغط، لكنها أقل منه تحسسًا بمستقبِلات الألم والحرارة واللمس؛ لذلك عندما يُحقن الشخص بإبرة فإنه يشعر بذروة الألم عندما تجتاز الإبرة الجلد، ومتى تجاوزت الجلد إلى الأنسجة الأخرى، تخفُّ درجة الإحساس بالألم، وعندما يتعرَّض الجلد للحرق فإن ذلك يؤدِّي للإحساس بألم شديد جدًا؛ لأن النار تنبِّه مستقبلات الألم، فإذا ما امتدَّ الحرق للأنسجة تحت الجلد يصبح الألم أخفَّ لأن هذه الأنسجة أقلُّ حساسيَّة بالألم.

وهكذا أشارت الآية القرآنية إلى أن أكثر أعضاء الجسم غنًى بمستقبلات الألم هو الجلد، كما أن الحروق هي أشدُّ المنبِّهات الأليمة، وتبديل الجلد المحترق بجلد سليم إشارة إلى استمرار الشعور بالعذاب والألم، بدل الانتقال إلى حالة من فقدان الحسِّ والشعور (٢).

وهو مما يبين أن وسائل الإحساس في الجلد، فلو احترق هذا الجلد وما بُدل فلن يحس


(١) مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ٢١/ ٢٠٠، أرشيف ملتقى أهل الحديث ١/ ٤٨١١.
(٢) (القرآن منهاج حياة) لغازي صبحي ١/ ٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>