للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى في حق عيسى -عليه السلام-: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} (المائدة: ١١٠)، وقال في حق آدم: {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} (آل عمران: ٥٩).

والجواب: للفظ وإن كان عامًا إلا أن القرينة المخصصة قائمة، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهدًا محسوسًا ليكون أقرب إلى المقصود، وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة، والجن، وآدم، وقصة عيسى عليهم السلام؛ لأن الكفار لم يروا شيئًا من ذلك (١).

ومما يؤكد هذا الرأي ويوضحه أن هناك قرائن من القرآن العظيم تدل على أن معنى {كَانَتَا رَتْقًا} أن السماء كانت لا ينزل منها مطر، والأرض كانت لا ينبت فيها نبات، ففتق اللَّه السماء بالمطر، والأرض بالنبات:

القرينة الأولى: أن قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يدل على أنهم رأوا ذلك؛ لأن الأظهر في (رأى) أنها بصرية، والذي يرونه بأبصارهم هو أن السماء تكون لا ينزل منها مطر، والأرض ميتة هامدة لا نبات فيها، فيشاهدون بأبصارهم إنزال اللَّه المطر، وإنباته به أنواع النبات.

القرينة الثانية: أنه أتبع ذلك بقوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (الأنبياء: ٣٠)، والظاهر اتصال هذا الكلام بما قبله؛ أي: وجعلنا من الماء الذي أنزلناه بفتقنا السماء، وأنبتنا به أنواع النبات بفتقنا الأرض كل شيء حي.

القرينة الثالثة: أن هذا المعنى جاء موضحًا في آيات أخر من كتاب اللَّه كقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢)} (الطارق: ١١ - ١٢)؛ لأن المراد بالرَّجْع نزول المطر منها تارة بعد أخرى، والمراد بالصَّدْع: انشقاق الأرض عن النبات، وكقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦)} (عبس: ٢٤ - ٢٦) الآية، واختار هذا القول ابن جرير، وابن عطية، وغيرهما للقرائن التي ذكرنا، ويؤيد ذلك كثرة ورود الاستدلال بإنزال المطر، وإنبات النبات في القرآن العظيم على كمال قدرة اللَّه


(١) تفسير الرازي (٢٢/ ١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>